وليد زرقط

محامٍ لبناني

Saturday, 09-Sep-2023 07:25
كعبة العشاق في رواية «أيام مولانا»

أن يبدأ الصديق محمد حسين بزي رواية «أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون» بالغربة الغربية، فما هي إلّا دعوة للقارئ بأن يشحذ الأحاسيس ويشحن المشاعر ويستفز العقل ليكون على خفر، قبل أن يطأ فصولها، بأنّ؛ ألقِ عنك أفكارك، فها أنت على وشك الدخول الى أحد وديان العشق، فاطرح ما لديك في الجعبة، واقترب حيث خرقة شمس وعمامة مولانا سيتلقفانك عند الجانب الأيمن من الطور حيث كان ما كان، فلا ذكر ولا خبر إلّا سعي، وتأمل وحضور».

وأن يختار «بزي» الشخصية الأساسية، عرّافة البحر لتنقل إلينا عبر الصياد أصداء هذا الحضور عبر تردّدات الخبر اليقين المتفلّت من الزمان والمكان، حيث يستحضر بزي ثالوثه الخاص، ويستودع سرّه همساً في قلب القارئ، حينما أعلن عن أقانيمه في الصفحة 46 «وهكذا صرنا ثلاثة أطفال شمس وأنا والصباح...»، ليشكّل من هذه الأقانيم ثالوث الرواية وانعكاسه على الشخصيات، وهم العرّافة والبحر كما الصياد الذي تدور حوله بنية الرواية وبداية الأحداث، إلى لحظة لقاء الصياد مع بَرَكة، وهي المرأة الحاضرة بكامل أنوثتها والجمال، والتي بقيت أشبه بحورية عالقة بين السراب والمخيلة في المقام الأقصى من القلب، فيشكّل حضورها إضافة هندسية على بنيان الرواية، فترفع الثالوث بعنصر الحضور من المثلث البرزخي إلى المربع البعدي الذي يشكّل كعبة رواية «أيام مولانا»، ومتى ما اكتملت يبدأ القارئ بالطواف حول العناصر الأربعة المشكّلة لبنية الرواية، وفي كل زاوية تكية، يسعى الساعي من خلالها إلى الظفر بماء الحياة، علّه يحظى ببعض من الغوص في بئر مولانا الذي انتهى إليه شمس قرباناً، ووصلاً وصلاة ونوراً على نور في قعره الداجي.

 

أما عن رمزية البحر في الرواية، وظاهر البحر ذكَر، وعمقه أنثى، فقد حملنا بزي عبر تموجاته إلى رؤية المدّ الظاهري، حين يدرك السالك فيه معنى حيث (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، ورؤيا الجزر الباطني حين يشهد العارف به معنى أنّ لا إله إلّا الله...

 

وهذا ما يتجلّى في سفر عقل القارئ بين «قواعد الحب الأربعون» لأستاذ مولانا السيد برهان الدين، وهي قواعد العقل كما سمّاها في مقتبل عمر مولانا، وترحال القلب مع «قواعد العشق الأربعون» لشمس وهي ومضات نور وعشق في الصفاء الأمثل وقد اكتمل عقل مولانا...

 

شتّان..

 

وأخيراً، إن كانت عبارة «لا يُعوّل عليه» قد طبعت مرحلة من الزمن أسّس لها محمد علوان في رواية (موت صغير)، فإنّ كلمة شتّان لـ محمد حسين بزي في (أيام مولانا) هي حجر الزاوية، يُبنى عليه للتمييز بين التناقضات في كل زمان، الصالح من الطالح، والظلمة من النور، والظاهر من الباطن، وحتى يكون هذا الحجر هو رمز تحطيم الأصنام كما قال مولانا في الصفحة 172، وهو في جوار الكعبة في محضر والده بهاء ولد والشيخ الأكبر ابن عربي، حيث استحالت «شتّان» في محضرهم مجتمعين إلى «إنسان» في الحضور الكامل.

 

وأختم في القول، مقتبساً من الرواية في الصفحة 223 «الأرض لا تحتاج إلى من يطأها، الأرض تحتاج إلى من يغرسها بأقدام المحبة...».

 

لأقول للصديق محمد حسين بزي هنيئاً لعقولنا بك، أيها الحبيب وقد وطأت كلماتك مكامن العشق في قلوبنا فأحييتها، ولأنّ الأرض لمن أحياها، وفقاً لقول الرسول، فهذه قلوبنا قد أصبحت لك، وقد ملكتها لتنتقل بنا من ضفة الموت الصغير إلى الضفة الأخرى، حيث ولادة المحبة الخالصة في جمال الحنين لعشق مولانا وشمس.

 

ولأنك كما ذكرت في الصفحة 250 «إنّ مئوية السماوات الشداد دليلنا على الخالق»، حين جمعت بين عمريّ مولانا في الأربعين، وشمس في الستين حين اللقاء... وفي المئة واحد.

 

بدوري أقول لك، إنّ الصفحات الأربعمائة شكّلت أربع تكايا يطوف القلب حولها كلما حملنا الحنين للعودة إلى منبعنا الأول.