د. عبدالله ريشا
Saturday, 13-Dec-2025 07:07
ماذا تريدون في لبنان مقابل أمن إسرائيل؟

يقول السفير الأميركي توم برّاك، إنّ واشنطن جرّبت مرّتَين تغيير النظام في إيران ولم تُحقّق نتائج، وإنّ الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية مارك روبيو لا يدعمان مسار تغيير النظام. أمّا معالجة الملف الإيراني، فينبغي أن تكون ضمن الإقليم نفسه، وأن تتضمّن المفاوضات حلاً لقضية الشيعة و»حزب الله»، ليس عبر تجريدهم من السلاح، بل عبر كيفية منع استخدام هذا السلاح. وهنا يكمن الفارق.

وتعود ذاكرة الخبراء السياسيِّين المهتمّين بملف الشرق الأوسط إلى تقرير بايكر-هاملتون حول الأزمة في العراق، وتحديداً في فصله الثامن «الخيار الخارجي»، وهو أوّل نصّ رسمي أميركي يدعو إلى التعاون مع الخصوم لتحقيق أهداف الولايات المتحدة. وفي القسم الرابع، Diplomatic Offensive، يعتبر أنّ الخصوم شركاء إلزاميّون. ثم في الصفحة 52، النص السادس، يَرِد: «مع الاعتراف بأنّ حلفاء واشنطن التقليديِّين غير كافين، لذلك علينا احتواء وإشراك خصوم الولايات المتحدة عندما يفشل الحلفاء».
تدخل الولايات المتحدة اليوم مرحلة بالغة الدقّة، خصوصاً الرئيس ترامب وفريق عمله، الذين سيكونون أمام تحدٍّ كبير في نهاية عام 2026 مع الانتخابات النصفية. يحاول ترامب قبل ذلك التخلّص من عبء ملف الشرق الأوسط، وهذا ما يفسّر سرعته الفائقة في عقد اتفاق وقف النار في غزّة، وإعلانه الخطوة المتعثّرة في شرم الشيخ - حيث غابت السعودية وإيران - لإطلاق مسار السلام. وهو مستعجل جداً لإنهاء النزاعات التي باتت تُشكّل عبئاً عليه، وربما على إسرائيل غير المُدركة لذلك، بعد استطلاعات الرأي العام الأخيرة التي تُظهر تغيّراً في المزاج العام الأميركي نحو التخلّي عن قضية دعم إسرائيل، حيث يتقاطع أهم تيارَين تحليليَّين: إيتمار هايمان رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، وإيال زيسر العقل الأكاديمي المختص بالملف السوري واللبناني، على أنّ الضربات العسكرية لن تُحقّق الأهداف المرسومة.
وفي المؤتمر الأخير لمعهد دراسات الأمن القومي، يُحدِّد هايمان نقاط النصر ونقاط الخسارة، مطلقاً معادلة تقييمية جديدة عن الحرب الأخيرة: إسرائيل ربحت عسكرياً وخسرت سياسياً.
وفي تقرير الأمن القومي الأميركي الأخير الذي صدر الأسبوع الماضي، تَرِدُ عبارة «السلام بالقوّة»، ويُشير التقرير إلى أنّ «الشرق الأوسط لم يعُد أولوية، لأنّه لم يعُد مصدر الاضطرابات»، وأنّ «الثروات لم تعُد مفتاح العلاقة المستمرّة مع الشرق الأوسط، وأنّ علينا قبول المنطقة وقادتها كما هم، وتوسيع اتفاقيات إبراهام». لم تعُد الولايات المتحدة تسعى إلى تبوّؤ مركز القيادة الأولى في العالم، بل حدّدت الغرب من الكرة الأرضية كمنطقة نفوذ، وستتوجّه إلى أميركا اللاتينية والكاريبي، وربما الصين التي أُسقِط عنها وصف «الخطر الوجودي».
وتشير التقاطعات بين بايكر-هاملتون وفقرة الشرق الأوسط في تقرير الأمن القومي (مبدأ مونرو المُحدّث) إلى منطق تحليلي يقول إنّ هناك نيّة لدى الإدارة الأميركية للتفاوض مع إيران و«حزب الله» بشأن الملف اللبناني، لكونه مرتبطاً بأمن إسرائيل، آخر نقاط الارتكاز الأميركي في الشرق الأوسط. وهنا - وليس في الناقورة - يصبح التفاوض مجدِياً، أمّا ما يدور في لبنان من سجالات ومداخلات، فليس إلّا لتحسين الشروط والضغوط المتبادلة، تحت شعار: تضييق الخناق ضمن مبدأ «جزّ العشب» عبر ضربات نوعية متتالية تُضعف البنية العسكرية لـ»حزب الله»، يقابله الصبر الاستراتيجي باتجاه التوقيت القاتل قبل الانتخابات النصفية الأميركية والإسرائيلية، إذ تحتفظ إيران على رغم من تراجع نفوذها في المنطقة، بأوراق عدة أهمّها مضيق هرمز (الذي ورد في التقرير الأميركي كأولوية استراتيجية)، وبالتالي أسعار النفط والجنود الأميركيِّين الذين لا يزالون تحت مرمى الميليشيات العراقية، نقطتان تُشكّلان تهديداً انتخابياً للحزب الجمهوري، بالإضافة إلى التهديد المستمر للمستوطنات الشمالية، وهي ورقة قابلة للاستعمال قبيل الانتخابات الإسرائيلية في تشرين 2026.
وإذا ما استبعدنا احتمال حرب شاملة على إيران تشترك فيها الولايات المتحدة لتحقيق الحسم، وهذا ما لا يبدو ظاهراً بين أسطر الاستراتيجية الأميركية الجديدة، حينها ستتّجه الأنظار إلى أروقة فنادق عمّان والدوحة، حيث سيهمس ممثل وكالة الاستخبارات الأميركية في أذن نظيره الإيراني: «ماذا تريدون في لبنان مقابل أمن إسرائيل المستدام؟».