

إنّ فيلم الإثارة الكئيب لريان جي. سلون هو حكاية غامضة عن امرأة معزولة، تحمل في طيّاتها العديد من الظلال المستعارة من شرادر، نولان وكروننبرغ.
فرانكي، تلك المرأة الغامضة المتجوّلة والمفكّرة في قلب الدراما المبهمة «Gazer»، تمتلك عينَين بحجم أغطية العجلات وكاريزما غريبة. تستمد الكثير من جاذبيتها من الممثلة اللافتة للنظر التي تُجسّد شخصيّتها، أرييلا ماستروياني، التي كتبت السيناريو مع المخرج، ريان جي. سلون.
وعلى رغم من أنّ الفيلم مَدين بتأثيراته لدرجة يقوّض نفسه أحياناً، فإنّه ينجح في التغلّب على ما يكفي من عيوبه، بما في ذلك أداء مهتز وارتباك مشتِّت، ليبقي نظرك مشدوداً إليه، إلى حدٍّ ما. فمثل فرانكي، التي تراقب الآخرين بحدّة حسّية، تواصِل أنتَ المشاهدة في انتظار الأحداث، تتساءل وتنتظر أكثر.
فرانكي روح وحيدة مضطربة، تعيش في شقة متقشفة في نيوآرك المعاصرة، يبدو وكأنّها استأجرتها من إحدى شخصيات بول شرادر الوحيدة. وكما هو حال تلك الشخصيات التي تظل غارقة في التفكير عبر ثلاثية «رجل في غرفة» التي أخرجها (The Card وCounter وReformed وFirst وMaster Gardener)، فإنّ فرانكي لا تتواصل بسهولة مع الآخرين. وبدلاً من ذلك، ينبثق جزء كبير من القصة من تعليق صوتي متقطع، ومن تسجيلات على أشرطة كاسيت تؤدّي دور وسائل عقلية مساعدة حاسمة (ظلال من فيلم كريستوفر نولان «Memento»)، تستخدمها كمحفّزات تحاول من خلالها الحفاظ على نظام عقلها وعالمها. إنّها معركة مستمرة.
وهي أيضاً معركة من دون نهاية سعيدة واضحة، إذ يبدو أنّ العديد من مشكلات فرانكي تنبع من اضطراب خلُقي يسمّى عسر قياس الزمن، وهو حالة لا علاج لها تؤثر بشكل مدمّر على إدراكها للوقت. عزلها هذا المرض بشكل عميق، وحالتها تتفاقم؛ ففي أحد المشاهد الأولى، يقترح عليها طبيب أن تدخل منشأة ترعى «المرضى الذين يعانون من ضعف إدراكي»، لكنّ فرانكي ترفض. إنّها تحاول توفير المال لابنتها الصغيرة التي تعيش مع شخص آخر، وهو هدف يؤدّي إلى سلسلة من التعقيدات التي تدفع بالفيلم إلى منطقة نوار متكلفة بنتائج متباينة. هناك، ومع تعمّق الظلال، تلتقي بعلامة استفهام أخرى، كلير (رينيه غانييه)، التي تعرض مساعدتها.
تتعقّد الأمور تدريجاً، وأحياناً بطريقة مثيرة للاهتمام، خصوصاً عندما تُصبح القصة أكثر غموضاً. في بدايته، يبني سلون وماستروياني أجواء ملموسة من تهديد رطب من خلال خلق توتر عبر فواصل سردية، والانغماس في حالة فرانكي غير المعتادة وعزلتها.
فرانكي لا تعيش بمفردها فقط، بل يبدو أنّها أيضاً لا تمانع في أن تكون مقطوعة الصلة بمعظم أفراد عائلتها وأي أصدقاء ربما كان لها في السابق. ويُضيف تسلسل مبكر يُنذر بالخطر، المزيد من الغموض والإثارة، خصوصاً عندما تقطع دخولها المتسلّل المفاجئ بندقية تظهر في المشهد.
يتحوّل الفيلم بين الوضوح والغموض، وبين الجاذبية والإحباط، مع تقدّمه. تقترح كلير أن تدفع لفرانكي عدة آلاف من الدولارات لأسباب بعيدة الاحتمال: فكلير تُريد الهرب من شقيقها، الذي تدّعي أنّه يُسيء معاملتها، وتريد من فرانكي أن تسرق مفاتيح سيارته من شقته. ونادراً ما تسير هكذا صفقات على ما يرام في ظروف مشبوهة، خصوصاً عندما يوجّه الغرباء مثل كلير نظرات جانبية مريبة، ويُقدّمون عروضاً كان لبطلات أكثر حذراً أن يرفضنها. لكنّ فرانكي، بما أنّها يائسة من أجل المال ومستعدة لتحمّل المخاطر عند الحاجة، تقبل العرض بشكل غير مفاجئ. وهنا، تصبح المتاعب شأن الجميع.
من الواضح أنّ سلون شاهد الكثير من الأفلام، ويقتبس منها بحرّية، وهو أمر لا بأس به حين يشق الفيلم طريقه وسط أرضية النوع السينمائي المألوفة. جزء من متعة الفيلم ينبع من كيفية استعارته لرجال شرادر الوحيدين، على سبيل المثال، ومن ثم ثني هذا الطابع المميّز لأغراض مختلفة.
ويساعد أيضاً أنّ ماستروياني تمتلك حضوراً طبيعياً جاذباً على الشاشة. وجهها الشاحب، المتبايِن بشكل حيوي مع شعرها الداكن القصير، يتألق وسط العتمة، وتوحي بالكثير حتى عندما تصمت فرانكي.
لذا من المؤسف أن ينحرف الفيلم عن مساره في النهاية، بما في ذلك بعض اللمسات المأخوذة من Videodrome؛ فوسط ما يتضح لاحقاً أنّه عدد مبالغ فيه من التقلّبات والمتاهات السينمائية، هناك فيلم إثارة منخفض الميزانية وممتع.








