لبنان... اليوم التالي
لبنان... اليوم التالي
عبدالله ريشا

أمين عام المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية

Tuesday, 20-Aug-2024 06:33

يكثر الحديث عن طبيعة اليوم التالي في غزة، من سيدير شؤون الناس: وجهاء العشائر أو السلطة الفلسطينية أو تحالف عربي أو قيادات حركة حماس؟ وحده الميدان سوف يقرر. 7 أكتوبر قلب المشهد عالمياً وإقليمياً، جغرافيا ثابتة وموازين متقلبة.

في اليوم الذي سبق ٧ أكتوبر، كانت المعادلة مختلفة. نتنياهو في الأمم المتحدة يبرز صورة شرق أوسط جديد، خط اقتصادي من الهند إلى حيفا من دون مرفأ بيروت وصفقة تبادل بين نموذج منظومة الدفاع الإسرائيلي مقابل نموذج الاقتصاد العربي. صفقة لا تمر بالمصرف اللبناني ولا بجسر العبور بين الشرق والغرب. مصرف منهار ومرفأ مدمر تحت ضربات الثورات والإهمال والغارات الجوية وهندسات وكالات الاستخبارات المعنية بساحات الشرق الأوسط. كل شيء كان مهيئاً لإطلالة نتنياهو في الأمم المتحدة، وإذا بحرب غزة تقطع أوصال الخط التجاري وتطيح بصفقة القرن ليصبح الشرق الأوسط المتفجر أمام مفترق طرق تحكمه توازنات جديدة،على وقع حاجة ملحة لإدخال إيران كضامن أساسي لأي اتفاق مستدام، لا خط اقتصاديا من دون الممرات المائية والمضائق التي تقع تحت تأثير النفوذ الإيراني. وكيف للحكومات العربية أن تصدق بعد اليوم أن القبة الحديدية التي سقطت تحت طلقات حلفاء طهران قادرة على حمايتها من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تقع على مرمى حجر من شواطئها وعواصمها؟ إنه الانقلاب الجيوسياسي الذي بدأت ملامحه تتحكم بالحياة السياسية في المنطقة.

 

كما وصف جاك أتالي المجتمعات بعد جائحة كورونا بأنها ستصبح أكثر واقعية وتعاضدية وأقل رومانسية، كذلك ستشهد" المجتمعات" اللبنانية بعد حرب غزة تحولاً ملحوظاً نحو البراغماتية وابتعاداً عن الشعبوية والشعارات الفارغة. وبأسلوب أتالي الاستشرافي، نرسم ملامح اليوم التالي في بيروت.

 

سيستيقظ اللبنانيون على وقف لإطلاق النار من دون اجتياح للعاصمة ومدن  مدمرة على غرار اليوم التالي لحرب تموز، ومن دون عشرات آلاف النازحين الفلسطينيين على غرار اليوم الذي تلى نكبة 1948. لن يرى اللبنانيون قوافل المقاتلين الفلسطينيين تدخل الحدود اللبنانية على غرار ما جرى في اليوم الذي تلى حرب 1967 حيث انتقلت فتح الهاربة من اجتياح غزة والضفة إلى شوارع بيروت وطرابلس وصيدا.

 

في اليوم التالي، لا شريط حدودي، لا 17 أيار، ولا ترتيبات أمنية وسياسية. سيبدأ الرئيس ومعه الحكومة الجديدة بتطبيق القرار 1701 ومعهم ضمانات باستخراج الغاز من دون معوقات خارجية. سيذهب إلى دمشق للتفاوض مع الأسد ومن ثم المجتمع الدولي على عودة النازحين السوريين بعد وقف مفاعيل قانون قيصر. يوم تالي حافل بالمتغيرات والتطورات على وقع موازين القوى الجديدة المرسومة.

 

قانون جديد للانتخابات، مصالحة مع العرب، وخطة عمل لاسترجاع المرفأ والمصرف وإعادة لبنان على الخريطة الإقليمية. سنرى الرئيس مع وزير الخارجية في جولة على إيران والمملكة العربية السعودية يعلنان ارتياح دولتهم للاتفاق التاريخي الذي حصل في بكين. إنه الحياد الفعال الضامن للتحالف السني الشيعي الذي سيلقي بظلاله استقراراً سياسياً في بيروت.

 

إنه لبنان جديد ويوم مختلف على وقع المشهدية الجديدة. فالدور الذي أنشئ من أجله لم يعد صالحاً، وسيجد القيمون على الدولة العميقة أنهم أمام تحديات رسم الأدوار الجديدة وإعادة النظر بأشياء كثيرة بدءاً بتسليح الجيش بالفعل، ليس بالشعارات التي أطلقت منذ العام 2005، مروراً بإعادة النظر بدور لبنان على الخريطة الاقتصادية والسياحية. ورشة عمل نجاحها يبقى رهناً بالإرادة الداخلية وبهوية رئيس اليوم التالي وقدرته على الحوار مع حزب الله وإعادة الثقة بالدولة والمؤسسات.

theme::common.loader_icon