ليلى عبدالله: الكاتب لا يغدو كاتباً حتى يكتب رواية
ليلى عبدالله: الكاتب لا يغدو كاتباً حتى يكتب رواية
كه يلان محمد
جريدة الجمهورية
Tuesday, 19-Nov-2019 06:59
لا تخلو عملية الكتابة من القلق والهواجس الداهمة، وقد يكون الأمر مع كتابة الرواية أكثر مدعاة للتوتر، بما أنَّه عالم لا يمكن اقتحامه دون وعي مسبق بأدواته وخصوصياته، كما تتطلبُ الدراية في صنعة هذا الفن تراكماً معرفياً بتطور صيغه وأشكاله، لذا يحتاج الروائي إلى امتلاك الحس النقدي لحيثيات الحرفة وتفاصيلها الدقيقة. هذا فإنَّ التجربة الذاتية تتحول إلى منجم ينهلُ منه الروائي مادته حيثُ يمرّرُ كل ذلك من خلال مراوغة النص ومكر السرد.

حول تجربة الكتابة والدوافع وراء اختيار الرواية ومستوى حضور الذات الكاتبة في حيثيات النص، كان لـ»الجمهورية» حوار مع الكاتبة والروائية العُمانية التي رُشحت أخيراً روايتها «دفاتر فارهو» للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد

• كيف كانت علاقتك بفن الرواية قبل أن تبدأي بكتابة نصّك الروائي الأول؟

- كنت قارئة شرسة للروايات. ظللت لأعوام ألتهم صفحات الروايات المترجمة منها والعربية. وما أكثر الروايات التي كنت أرغب لو أني كنت كاتبتها!

• هل تأثرتِ في تجربتكِ الأولى بأعمال معينة أو صادفتِ حدثاً شعرتِ بأنه لا يمكن التعبير عنه إلّا في الشكل الروائي ؟

- أحببت أن أكتب عملاً أتفاعل معه شخصيًّا. لا أدري إن كنت تأثرت بعمل ما. لكني قطعت شوطًا طويلاً في الكتابة قبل أن أُقبل على عملي الروائي الأول. كتبت في القصة القصيرة بأنواعها وأدب الرسائل والمقالات والمراجعات القرائية ونقد أدب الطفل.

آمنت بأني سأكتب الرواية في وقتها، لا لمجرد أنّها كتابة مشاعة ولا لأننا في زمن الرواية، حيث أصبح الجميع فيه كتّابًا للرواية، بل كنت أنتظر اللحظة التي تُكتب فيها الرواية نفسها كما كان رولان بارت يقول.

لقد هجم عليّ اندفاع غريب لكتابة حكاية الطفل فارهو. لقد سمعت صوته وهو يرجو مني أن أكتب حكايته. وهكذا بدأت الرواية من صوت مجهول. محرّض. غريب ومندفع أيضاً.

• يرى بعض النقاد أنّ ما تدور حوله الرواية الأولى عبارة عن سرد لتجربة ذاتية، وسُمّي هذا النوع برواية التكوين. هل يتمثل عملكِ الأول لهذا التوصيف؟

- أجواء الرواية لا تمت لي بصلة. لقد غامرت في الكتابة عن أمر مجهول بالنسبة لي. عن أطفال من مجتمعات مختلفة عنا في اللغة والدين أيضاً.

لكني لا أنكر أنّ عملي السابق كمعلمة لأطفال من جنسيات مختلفة جعلني ملمة بأجواء هذه الجاليات. كنت شخصيًّا أميل لقراءة روايات أبطالها أطفال صغار. في عوالمهم ما يثير شغفي؛ لذا الهاجس نفسه قادني للكتابة عن طفل وأفريقي، كوني أحب الأجواء الأفريقية أيضاً. وأردت في الوقت نفسه أن أجعل العالم يلتفت قليلاً لأكثر أطفال العالم تعرّضًا للظلم والوحشية والخراب الروحي والفقر والمجاعة والدمار.

• هل تعتقدين أنَّ السرّ وراء تصاعد الإصدارات الروائية يكمنُ في ما يوفّره هذا الفن من الحرّية في إطار أوسع لتناول المفاهيم الإجتماعية والفكرية والسياسية وتراخي سلطة الرقيب في عالم الرواية؟

- لكل ما ذكرت. لكن هناك حقيقة بأنّ الكاتب لا يغدو كاتبًا حتى يكتب رواية. صارت للرواية سطوة وسلطة. والجوائز التي تُخصّص للرواية عالميًّا كانت سببًا من أسباب خوض كثير من الكتّاب مغامرة كتابة روايات. حتى الشعراء تركوا الشعر واتجهوا الى كتابة رواية ليحققوا جماهيرية واسعة.

• ما رأيكِ بورشات مخصّصة لكتابة الرواية؟ هل تضيف هذه الندوات إلى أفق تطور فن الرواية. وماذا عن تجربتك في هذا المجال؟

- لا أستطيع أن أبدي رأيي في مسألة لم أخضها شخصياً. لكن أراه أمرًا ممتعًا. أن نجلس مع أشخاص يتحدثون عن الرواية وكتابتها. أنا مغرمة بشخصية بطلة الكاتبة الإيرانية آذر نفسي في روايتها أن تقرأ لوليتا في طهران. فالبطلة أستاذة جامعية تضطر لصعوبات الحياة في الجمهورية الإسلامية أن تقيم في بيتها اجتماعًا سريًّا أسبوعيًّا مع لفيف من طالباتها الأكفاء؛ ليتحدثوا عن السرد الروائي، ولا سيما تلك الممنوعة من قِبل السلطة الدينية في طهران.

• هل تمكنت الروائيات من الخروج من الطابع الذاتي، بحيث لم يعد ما تؤلفه المرأة إنعكاساً لهموم ومشكلات تعانيها بنات جنسها في الواقع؟

- وما المانع في أن تكتب المرأة عن معاناتها كأنثى في مجتمع يسلب منها أبسط حقوقها؟! هناك مجتمعات تنهي حياة نسائها بمجرد أن تحيض، يقومون بتزويجها لأي رجل كان، خوفاً من هدرها لعذريتها، في مجتمع لا يرى المرأة سوى جسد!

فلتكتب المرأة الكاتبة عن همومها الذاتية وعن قضاياها؛ ففي هذا انطلاق حقيقي للكتابة عن العالم. والخروج عن ذاتيتها بعد أن تكون قد بلغت مرحلة التشبع وصارت قادرة على التعبير عن الآخرين. عن المختلف عنها وستشعر بحجم معاناتهم. فهي امرأة خاضت معاناتها الشخصية أيضاً وتغلّبت عليها بدورها عن طريق الكتابة.

theme::common.loader_icon