يتحدث الروائي التونسي شفيق الطارقي، الذي صدرت له رواية «بربرا» و«لافازا»، لـ«الجمهورية» عن تجربته مع كتابة الرواية فيما كان في البداية يراوده الحلمُ بأن يكون شاعراً.
• كيف كانت علاقتك بفن الرواية قبل أن تبدأ بكتابة نصك الروائي الأول؟
اهتمامي بالأدب إجمالاً ناشئ عن دافعين، ذاتيّ له محرّكاته الثّاوية والقصيّة، وموضوعيّ بحكم تخصّصي الأكاديميّ، ولئن توجّهت عنايتي إلى الشعر مشغلاً إبداعيّاً، ومسلكاً في البحث ضمن الماجستير والدّكتوراه، فإنّ قراءاتي السّرديّة كانت أوفر، الرّواية كانت مستراحاً، أعود إليه قارئاً نهماً كلّما وجدت الفرصة، من دون أن أفكّر خلال عقدين وأكثر من الزّمان في كتابتها، وفاء منّي للشّعر الذي أردته مشروعا فنيّا وعلميّا أسوة بالكبار الممثّلين للشّعريّة العربيّة الحديثة، غير أنّ فعل القراءة قد حملني تلقائيّاً على ركوب السّرد، من دون أن أخطّط للأمر أو أن أعتزمه، فكتابة الرّواية لم تنتظم ضمن خطّة ولم تنضو خلال قرار، ولم تكن مسايرة للمشهد أو تأثّراً بما حظي به جنسها من عناية ومن مقروئيّة أوسع، ومن فرص أكبر للبروز، لقد كانت حدثاً مباغتاً، ونتيجة حتميّة لتفاعلات في العمق، بعضها قابل للتّفسير وبعضها كامن، ولعلّي أوجز فأقول إنّني لم أنتظر الرّواية، بل انتظرتني، كان لقاؤنا قدراً عفويّاً أسهمت عوامل كثيرة في إنتاجه، لعلّ انتقالي إلى سكنى العاصمة هو أحدها، لِما ميّز هذا الانتقال من ثراء في التّجربة ومن توسّع لمجالاتها، لم أعتزم وأنا أكتب مقاطعي السّرديّة الأولى أن يكون حاصلها رواية ولكنّ تراكمها، وانتظامها العفويّ في الأجواء نفسها، دفعاني في مرحلة ما إلى إعادة النّظر فيها، وقاداني بما أمتلك من وعي معرفيّ إلى التّفكير في الرواية.
• هل تأثرت في تجربتك الأولى بأعمال معيّنة أو صادفت حدثاً شعرت بأنه لا يمكن التعبير عنه إلا في الشكل الروائي؟
قراءة المتن السّرديّ قديمه وحديثه، عامل مؤثّر بطبيعته في العمل الرّوائيّ الأوّل لأيّ كاتب، تأثيره في العمل الأخير، التّأثّر أمر بديهيّ سواء أكان فعلاً واعياً أم تلقائيّاً، ولا شكّ في أنّ عملي السّرديّ الأوّل خاضع في تشكّله إلى ما مررت به من نصوص سرديّة وغير سرديّة، من شأنها أن تتسرّب إلى النصّ من حيث ندري ولا ندري، ولكنّني في تقديري البسيط أحسب أنّي لم أكن خاضعاً إلى سلطة نصيّة محدّدة، أو إلى مرجع روائيّ بعينه، إسماً كان أو عنواناً أو مرحلة، قد يجد النّاقد متى تدبّر النصّ حضوراً مميّزاً لأصوات بعينها من السّرديّة الحديثة أو القديمة العربيّة أو الغربيّة، ولكنّ ذلك يظلّ مجرّد احتمال من ضمن احتمالات كثيرة، لا أدّعي الابتداء والفرادة المطلقة مثلما أنّني لا أستطيع بالتّحديد أن أحدّد خارطة للتأثّر، فنصّي هو ابن مشترك للنصوص كلّها، وهو ابن للنصّ الأكثف والأعمق متمثّلاً في علاقتي بما أعيش، برؤيتي الشّخصيّة للواقع، أكتب بإيقاعي كما أرى العالم.
• يرى بعض النقاد أنّ ما تدور حوله الرواية الأولى عبارة عن سرد لتجربة ذاتية وسمّي هذا النوع برواية التكوين، هل يتمثّل عملك الأول لهذا التوصيف؟
مصادرة العمل الأوّل نقديّاً بما يحوم في فلك أدب الذّات، ليس حكماً مطلقاً يمكن التسليم به، فالاعتراضات عليه كثيرة في تاريخ الرّواية.
لا شكّ في أنّ العمل الأوّل آخذ لا محالة من سيرة الكاتب، ولكنّ طريقة الأخذ تختلف من كاتب إلى آخر، ولا يمكن أن نضع الجميع في سلّة نقديّة واحدة، على الناقد في تقديري أن لا يعمّم، فمهمّته الحقّ أن يقف على تلك الاختلافات والتّمايزات. بخصوص عملي الأوّل «لافازا»، فهو ممازجة بين عناصر متعدّدة توحي في الظاهر بتماثلها مع سيرة الكاتب، ولكنّها في الحقيقة لوحة متعدّدة الأبعاد، تشكّلت فيها الشخصيّة النواة من طبقات كثيرة، لقد مارست إزائي تفكيكاً من نوع خاصّ وأعدت تركيبي من أنحاء شتّى، العمل ليس سيرة ذاتيّة ولعلّه سيرة تخييليّة، ولكنّه بالأساس فكرة، لم أجد أوفى من السّرد لإشاعتها، إنّ الأنا في النّصّ هو أنت في خاتمة المطاف، وأنا لا أقدّم حياتي حكياً ولكنّني أرسم لك إمكانيّة لحياة ما.
• هل تعتقد بأنّ هناك سراً وراء تصاعد الإصدارات الروائية يكمنُ فيما يوفره هذا الفن من الحرية في إطار أوسع لتناول المفاهيم الإجتماعية والفكرية والسياسية وتراخي سلطة الرقيب في عالم الرواية؟
الطريق إلى الرواية حمّال أوجه وأبعاد ومسافات، والدّوافع إليه كثيرة تختلف من كاتب إلى آخر، ولئن كان أولاها بالذّكر اتّساع الرواية لتعقيدات العصر أكثر من غيرها من أجناس الكتابة، وقابليّتها السحريّة لأن تقول كلّ شيء، فإنّ الأسباب قد تكون متعلّقة في سياق آخر برغبة البعض في التّنويع الأجناسيّ، أو برغبة البعض الآخر في أن يثبت قدمه في جنس هو المتقدّم والمسيطر، والأكثر مقروئيّة فضلاً عمّا يوفّره من فرص تخرج عن إطار الكتابة إلى الشّهرة والتّحصيل الماديّ، فالرّوائيّ اليوم هو النّجم، لم تعد النّجوميّة للشّعراء بعد نزار ودرويش، الرّوائيّون هم أمراء الحكاية... الأسباب كثيرة ولكنّ النّتيجة هي الأهمّ، نحن اليوم أمام تعدّد للنّاتج الرّوائيّ وأمام تنوّع في التّعاطي مع هذا الفنّ بين كلاسيكيّين وتجريبيّين، ويظلّ السّؤال.. هل أنّ موسم الهجرة إلى الرواية قد أفاد الأدب العربيّ والثقافة العربيّة والواقع العربيّ أم أنّه تراكم في غير طائل؟
• ما رأيك بالورشات الخاصة بكتابة فن الرواية هل يستفيدُ المشاركون في هذه الدورات؟ وماذا عن تجربتك في هذا المجال؟
لم يسبق لي أن شاركت في أيّ من الورشات الخاصّة بكتابة الرواية. وعليه، فإنّ حكمي عليها لن يكون موضوعيّاً، ولكنّني أتصوّر أنّها متى كانت محكمة التّنظيم، محدّدة الأهداف، فسيكون لها بالضّرورة عوائدها على الرواية العربيّة.