Avatar Fire and Ash: برّاً وبحراً وجوّاً!
Avatar Fire and Ash: برّاً وبحراً وجوّاً!
مانوهلا دارغيس- نيويورك تايمز
Monday, 22-Dec-2025 06:51

في الفيلم الثالث من السلسلة، يُضيف جيمس كاميرون مخلوقات جديدة، مناظر طبيعية جديدة، خطوط حبكة ميلودرامية، وتسلسلات معارك ضخمة. الأمر كثير. في «أفاتار: النار والرماد»، يعود كاميرون مجدداً إلى فردوسه البعيد، باندورا، ذلك الكوكب الصوفي المدهش، الغني بأقواس قزح من النباتات والحيوانات، والمأهول بشعب النافي، كائنات بشرية زرقاء طويلة الخصر بذيل وعيون قطط آسرة.

هنا، لا تكتفي المخلوقات المهيبة الشبيهة بالحيتان، المعروفة باسم «التولكون»، بالغناء فحسب، بل تُجري أحاديث جادة مع أنواع أخرى؛ بل إنّ إحداها ترتدي حُليّاً عصرية لافتة. ثمة شتى أنواع العجائب في عالم كاميرون المتخيَّل بعناية ومَحبة، وهو عالم يظل في الغالب مكاناً ممتعاً للزيارة، حتى وإن كان بريق هذه الوردة المتعدِّدة الألوان قد خبا بعد 16 عاماً على عرض «أفاتار» الأول.

 

«النار والرماد» هو الفيلم الثالث في سلسلة «أفاتار»، وبينما مضت 3 سنوات في الواقع، فإنّه يستأنف الأحداث بعد أسابيع قليلة فقط من نهاية الفيلم الثاني (طريق الماء، 2022) وقد ترك شخصياته في عالم من الألم. تتمحوَر القصة مرّة أخرى حول عائلة يقودها جيك (سام ورذينغتون)، جندي مشاة البحرية الأميركي المعاق الذي أصبح قائداً نافياً ملهماً (والقصة طويلة)، وشريكته النافية الشرسة نيتيري (زوي سالدانا). يعيشان حداداً عميقاً بعد فقدانهما ابناً خلال معركة مع الغزاة البشر، الناهبين العنيفين الذين يطلق عليهم النافي اسم «شعب السماء». وإذ أُجبرت العائلة على الفرار من موطنها الغابي، استقرّت على مضض في مجتمع ساحلي تسكنه مجموعات أخرى من النافي، عشيرة مولعة بالماء ذات زوائد تشبه الزعانف.

 

إذا كنت قد وقعت في حُب الفيلمَين السابقَين، فغالباً ستخضع لسحر هذا الفيلم البصري أيضاً. يُعدّ كاميرون واحداً من قلّة من صنّاع الأفلام الذين يستحقون فعلاً لقب «باني العوالم»، إذ تزخر أفلامه بعوالم تخيّلية معقّدة وغامرة، من الجحيم الفضائي العميق والمخيف في Aliens إلى الواقعية الدقيقة في Titanic. كان جزء من متعة «أفاتار» الأول هو اليوتوبيا المتعدِّدة الألوان التي ابتكرها للفيلم، جنة وارفة ودقيقة التفاصيل دخلها جيك كما لو كان دوروثي في نسخة رقمية محسّنة من «ساحر أوز». كان بإمكانك أن تشعر بفرح كاميرون بخليقته أثناء مشاهدة ذلك الظهور الأول؛ كان متحمِّساً ليعرض عليك شيئاً لم ترَه من قبل، وكنتَ متحمّساً بالمثل.

 

من الصعب الإبقاء على زخم الإثارة مشتعلاً في سلاسل الأفلام، حتى بالنسبة إلى كاميرون. وكالعادة، يُلقي بالكثير في الخلطة هنا، بما في ذلك شخصيات جديدة، مخلوقات، مناظر طبيعية، تعقيدات ميلودرامية، وتسلسلات معارك واسعة النطاق. بعد وقت قصير من افتتاح القصة، يقرّر جيك ونيتيري مغادرة الشعاب حفاظاً على سلامة الجميع. ومع ذرّيتهما الصغيرة وسبايدر (جاك تشامبيون)، الشاب البشري النشيط ذو الضفائر الشقراء الذي احتضناه تحت جناح الحماية، تنطلق العائلة مع عشيرة جوية. يبحر هؤلاء مع النافي بين السحب والجبال على متن سفن خيالية تجرّها حيوانات ممتلئة وهادئة تشبه خراف البحر، وتتوّجها أشرعة منتفخة توحي بسفينة قرصنة شراعية بأجنحة يعسوب عملاقة.

 

من الممتع والحالم أن تنجرف مع العائلة، لكن بما أنّها «تجربة كاميرون»، سرعان ما تأخذ الأمور منحى عنيفاً ومعقّداً على نحو شائك. تظهر شرّيرة جديدة تخطف المشاهد، فارانغ (أونا تشابلن)، منقضّة على مركبتها الشبيهة بالتنّين كفالكيرية. مدعومةً بحشد مسعور، تحمل فارانغ القتل في قلبها، العبوس على وجهها، وتاجاً دمَوياً أحمر على رأسها. إنّها امرأة ساحرة وشرّيرة محنكة تتمتع بكاريزما مظلمة وبقصة تُروى، تتكشف وسط المعارك، التحالفات الغريبة، الحبكات المتشابكة، وعودة شعب السماء، بما في ذلك الشرير الهائج للسلسلة ونجمها الأبرز، كوارتيتش (ستيفن لانغ).

 

كتَب «النار والرماد» كل من كاميرون وريك جافا وأماندا سيلفر، وهو يجمع عدة خيوط سردية مختلفة في قصة تتجسّد، كما في الأفلام السابقة، بوصفها انقلاباً متقناً ومشحوناً وغاضباً أخلاقياً على حكاية «رعاة البقر والهنود» العنصرية القديمة. ثمة إضافات صادمة إلى هذا القالب، من بينها استدعاء مربك لنوع من الأبوية على طريقة العهد القديم، يُهدِّد بأن يأخذ السلسلة إلى مكان قد لا تتعافى منه أبداً. من سمات هذه الأفلام سرعة تحوّل الفردوس إلى جحيم، وكثرة ما يفور الغضب وسط كل هذا الجمال. هناك غضب عميق ومقلق في شخصيّتَي نيتيري وفارانغ، يظهر حتى عبر أداء الالتقاط الحركي.

 

وكما سابقيه، يطيل «النار والرماد» الإقامة على نحو متوقع؛ إذ تتجاوز مدّته 3 ساعات، وهو زمن عرض لا يمكن تبريره سردياً على رغم ممّا يضج به من معالم خيالية طنانة ومتموّجة ودوّارة، ومناوشات ملحمية واسعة النطاق. حين يكون كاميرون في أوج عطائه - ولا سيما عندما يندفع النافي جرياً وقفزاً وانقضاضاً وهتافاً في معارك ضارية ضدّ خصومهم المتنوّعين - يمسك الفيلم بك أسيراً. إنّه عبقري في الاستعراض السينمائي، لكنّه لا يكتفي بالجلوس طالباً منك الإعجاب بصنعته؛ بل يعرف كيف يجرفك معه، تماماً كما تفعل مطايا النافي الجوية. تسلسلات القتال نماذج في تماسك الفضاء وتصاعد التوتر، وتقبض عليك بالكامل، محوّلةً الفيلم إلى تمرين شامل للجسد.

 

يتبدّد ذلك الإحساس كلّما توقفت المعارك، عادت القصة للدوران، ونادى أحدهم آخر بـ»يا أخي»، وهو ما يحدث كثيراً. الكتابة، ولا سيما الحوار، قد تكون سيّئة على نحو يبعث على الانقباض، كما هي الحال أحياناً مع كاميرون. غير أنّ المشكلة الأكبر هي أنّه، على رغم من قوّتها البصرية وسحرها التقني المتقدّم المذهل، فإنّ هذه الأفلام تفتقر على نحو لافت إلى القدرة على البقاء في الذاكرة. فهي لا تمتلك الجاذبية الأسطورية العميقة لسلسلة «حرب النجوم». وبينما يبرز التزام كاميرون بالبيئة في كل زهرة وكل مخلوق، فإنّ النتائج لا تخاطب زمننا بالطريقة التي فعلها، على سبيل المثال، «فارس الظلام» بتهديده العدمي. مزيج كاميرون المميّز من الأدب الشعبي والشعر قد يكون آسراً، لكنّه هنا لم يسبب لي سوى دوار.

theme::common.loader_icon