لماذا تختلف فنزويلا بالنسبة إلى ترامب؟
لماذا تختلف فنزويلا بالنسبة إلى ترامب؟
د. خالد العزّي
Thursday, 18-Dec-2025 06:31

فنزويلا تُمثل نقطة مِحوَرية في السياسة الخارجية الأميركية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب. لم يكن موقف الولايات المتحدة تجاه فنزويلا مجرّد ردّ فعل على الأزمات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، بل هي جزء من استراتيجية شاملة، تهدف إلى إعادة صياغة الوضع الإقليمي في أميركا اللاتينية بما يتماشى مع المصالح الأميركية.

من التصعيد العسكري إلى معالجة قضيّتَي الهجرة والنفط، يعكس موقف ترامب المتشدِّد تجاه فنزويلا استراتيجية أوسع، تهدف إلى التحكًّم في الموارد وتعزيز النفوذ الأميركي في المنطقة.

التصعيد العسكري في منطقة الكاريبي
بدأت الولايات المتحدة حملةً عسكريةً متزايدة في منطقة البحر الكاريبي منذ أيلول 2025، تحت اسم «عملية الرمح الجنوبي». هذه العملية لا تستهدف فقط تهريب المخدّرات من فنزويلا، بل تتجاوز ذلك لتأخذ أبعاداً أكبر، مع وجود أكثر من 15 ألف جندي أميركي وعدد من السفن الحربية، بما في ذلك حاملة الطائرات «يو إس إس سان أنطونيو». ويُعدّ هذا التصعيد العسكري الأكبر من نوعه في تاريخ العلاقات الأميركية-الفنزويلية الحديثة.
بينما تؤكّد واشنطن أنّ العمليات العسكرية تهدف أساساً إلى محاربة تجارة المخدَّرات التي تُهرَّب من فنزويلا، يُشير العديد من الخبراء إلى أنّ الأهداف العسكرية الأميركية تتجاوز ذلك، إذ يرَون أنّ هذه العمليات جزء من سياق أوسع لتغيير النظام الفنزويلي بقيادة نيكولاس مادورو. من وجهة نظر ترامب، فإنّ التخلّص من نظام مادورو يُعدّ خطوةً ضرورية في إعادة هيكلة المنطقة.

سياسة ترامب تجاه مادورو
عند وصول ترامب إلى السلطة في عام 2017، كانت السياسة الأميركية تجاه فنزويلا تتسمّ بالحذر النسبي. ففي البداية، دعا ترامب إلى حل سياسي عبر العقوبات الاقتصادية والديبلوماسية، وعمل مع حلفاء إقليميِّين لمحاولة إيجاد مخرج للأزمة السياسية في فنزويلا. في تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة تُركِّز على عزل مادورو سياسياً عبر دعم المعارضة، وخصوصاً خوان غوايدو الذي عُرِّف عنه كـ«رئيس موقت» لفنزويلا.
تغيّرت لهجة السياسة الأميركية بشكل واضح. إذ بدأ ترامب وفريقه في الإدارة بتبنّي رؤية أكثر عدائية تجاه مادورو، فصُوَّر ليس كزعيم منتخَب، بل كـ«زعيم منظمة إجرامية»، بعد توجيه تهَم له ولحكومته تتعلّق بالإرهاب وتهريب المخدّرات. في عام 2020، وجَّهت وزارة العدل الأميركية اتهامات لمادورو بالإرهاب المرتبط بالمخدّرات، واعتُبر نظامه جزءاً من شبكة دولية لتهريب المخدّرات، ممّا شكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي.

التهديدات التي يعالجها ترامب
الهجرة والمخدّرات هما المسألتان الرئيسيّتان اللتان تقف وراء موقف ترامب المتشدِّد تجاه فنزويلا. وتُعتبَر فنزويلا أكبر مصدر للمهاجرين في نصف الكرة الغربي، إذ اضطرّ الملايين من الفنزويليِّين للهجرة، بسبب الانهيار الاقتصادي والاضطهاد السياسي، إلى دول مجاورة، وأعداد كبيرة منهم توجّهوا إلى الولايات المتحدة، ما شكّل ضغطاً على الحدود الأميركية، وأدّى إلى تصعيد النقاش السياسي حول الهجرة.
من ناحية أخرى، تُعدّ فنزويلا مركزاً رئيساً لتهريب المخدّرات، خصوصاً الكوكايين، الذي يُصدَّر عبر البحر الكاريبي إلى الولايات المتحدة. هذا النشاط غير المشروع يُشكّل تهديداً آخر يُضاف إلى قائمة الأولويات الأمنية في واشنطن. وبالتالي، فإنّ فنزويلا تُمثل نقطة محورية في استراتيجية ترامب لمكافحة المخدّرات والهجرة غير الشرعية. من وجهة نظره، فإنّ حل الأزمة الفنزويلية يرتبط بشكل وثيق بحل قضايا الهجرة والمخدّرات.

السياسة الأميركية الجديدة
إحدى المفارقات الكبرى في عهد ترامب، هي تحوُّله من الصورة التي صَوَّر بها نفسه كـ«صانع سلام» إلى تبنّي سياسة تهدف إلى تغيير الأنظمة في دول أخرى، وخصوصاً فنزويلا. في حملاته الانتخابية، غالباً ما كان ترامب يُروِّج لنفسه كزعيم يسعى إلى إنهاء «الحروب الأبدية» والتدخّلات العسكرية، لكن في حالة فنزويلا، حدث تحوُّل في هذا الموقف. فأصبح «تغيير النظام» جزءاً من استراتيجيته الخاصة لمعالجة الأزمات الداخلية مثل الهجرة والمخدّرات.
لم تقتصر سياسة ترامب تجاه فنزويلا على التصعيد العسكري فقط، بل شملت أيضاً ضغوطاً ديبلوماسية واقتصادية كبيرة. فقد فرضت الإدارة الأميركية عقوبات شديدة على الحكومة الفنزويلية، بما في ذلك حظر النفط الفنزويلي، الذي يُعدّ المصدر الأساسي لعائدات الدولة. هذه العقوبات كانت تهدف إلى إضعاف الاقتصاد الفنزويلي ودفع نظام مادورو إلى التنازل أو الرحيل.

موقف الجمهوريِّين المتشدِّدين
لا يقتصر موقف ترامب المتشدِّد من فنزويلا على كونه نهجاً شخصياً، بل يعكس أيضاً مشاعر الجمهوريِّين المتشدّدين في الحزب، الذين يرَون في مادورو «زعيماً لعصابة مخدّرات». هؤلاء الجمهوريّون يدعمون التوجّه نحو الإطاحة بمادورو كوسيلة لتحقيق أهداف ترامب الانتخابية، بما في ذلك الحدّ من الهجرة غير الشرعية، التصدّي لتهريب المخدّرات، وتقوية الأمن القومي الأميركي.
ومع أنّ بعض الأصوات، مثل السيناتور راند بول، قد عبّرت عن معارضتها لأي تدخّل عسكري طويل الأمد في فنزويلا، فإنّ الحملة العسكرية والتصعيد في المنطقة لا يزال يحظى بدعم كبير من العديد من الأوساط السياسية، التي ترى أنّ «تغيير النظام» هو السبيل الوحيد للتعامل مع التهديدات التي يُمثلها نظام مادورو.
بالنسبة إلى ترامب، فنزويلا ليست مجرّد حالة أزمة سياسية داخلية، بل هي جزء من صراع أكبر لإعادة تشكيل السياسة الإقليمية في أميركا اللاتينية. حل الأزمة الفنزويلية بالنسبة إليه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي الأميركي، من خلال معالجة قضيّتَي الهجرة والمخدّرات، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي. التصعيد العسكري والتحوّلات السياسية في فنزويلا يجعلها قضية مركزية في استراتيجية ترامب الشاملة تجاه أميركا اللاتينية، وهي خطوة نحو تحقيق الهيمنة الأميركية على المنطقة ومواجهة التحدّيات التي تطرأ من الصين وروسيا.

theme::common.loader_icon