أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، عن تفاؤل متوتّر وحذِر إزاء الضمانات المقترحة لأمن أوكرانيا المستقبلي، شرط أن تكون مفصّلة ومؤكَّدة من قِبل الكونغرس الأميركي. لكنّه أشار إلى أنّ ما قد يجعل هذه الضمانات مقبولة لدى أوكرانيا قد يدفع روسيا إلى رفضها.
تحدّث زيلينسكي بعد يومَين من محادثات مقترحات السلام مع مفاوضين من الولايات المتحدة وأوروبا، كانوا قد شدّدوا على إحراز تقدُّم، وروَّجوا لما وصفوه باتفاق أمني شبيه بحلف شمال الأطلسي (الناتو). وأقرّ زيلينسكي بأنّ الولايات المتحدة قطعت شوطاً بعيداً في توضيح نوع الضمانات الأمنية التي قد تُقدِّمها لأوكرانيا في أي اتفاق سلام، لكنّه أضاف أنّ تفاصيل جوهرية لا تزال بحاجة إلى العمل عليها. ولم تكن روسيا طرفاً في هذه الجولة من المفاوضات.
وأوضح زيلينسكي، بينما كان في طريقه جواً من برلين بعد المحادثات، التي جرت مع ممثلي إدارة ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، ومع مسؤولين أوروبيِّين: «نحن أشخاص نعيش الحرب، وخلال الحرب نؤمن بالوقائع».
وكانت تعليقات زيلينسكي، الموجّهة إلى مواطنيه، أكثر حذراً من تصريحاته في المؤتمر الصحافي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس. حينها، وكما هي العادة، حرص زيلينسكي على توجيه الشكر إلى ترامب ومبعوثيه، على محاولتهم إحلال السلام في أوكرانيا، وعلى العمل لضمان مستقبلها في مواجهة أي عدوان روسي إضافي.
واعتبر الرئيس الأوكراني أنّ الضمانات الأمنية من أوروبا والولايات المتحدة تُعدّ شرطاً مسبقاً لتقديم بلاده أي تنازلات إقليمية، وقد برزت مسألتا الضمانات الأمنية وحدود الأراضي، باعتبارهما نقطتَي الخلاف الرئيسيّتَين في المحادثات.
ووصف زيلينسكي حتى هذا النوع من المقايضة، بأنّه تسوية «مؤلمة» لم يوافق عليها بعد. ويصرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن تتخلّى كييف عن نحو 14% من إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، وهي مناطق لم تُحكِم روسيا سيطرتها عليها بعد، وهو مطلب أيّده مسؤولون في إدارة ترامب.
ولم تُقنع الجهود الأميركية زيلينسكي لإيجاد نوع من الحل، مثل تحويل المنطقة إلى منطقة منزوعة السلاح. وهو يجادل بأنّه حتى لو انسحبت القوات الأوكرانية من دونباس، فإنّ القوات الروسية لن تنسحب، بالتالي فإنّ مثل هذا الترتيب غير مقبول.
وأكّد زيلينسكي: «كان هناك ما يكفي من الحوار حول مسألة الأراضي. ويبدو لي أنّه حتى الآن لدينا مواقف مختلفة، بصراحة، لكنّني أعتقد أنّ زملائي قد سمعوا موقفي الشخصي». ولهذا السبب يصرّ، بدعم أوروبي، على الضمانات الأمنية، التي كلما كانت أقوى، زادت احتمالات أن ترفضها روسيا، باعتبارها أحد أسس أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب إنجازه بشأن هذه الضمانات حتى لتلبية مطالب كييف، بحسب مسؤول أوكراني رفيع لم يُصرَّح له بالتحدث علنًا عن المناقشات الداخلية.
وأعرب قادة أوروبيون عن قدر من التفاؤل بعد محادثات برلين، حيال أخذ واشنطن المخاوف الأوكرانية والأوروبية في الاعتبار. وأقرّ رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك: «للمرّة الأولى، سمعتُ من المفاوضين الأميركيِّين أنّ أميركا ستنخرط في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، بطريقة لا تترك أي شك لدى الروس في أنّ الردّ الأميركي سيكون عسكرياً إذا هاجم الروس أوكرانيا مرّة أخرى».
وأوضح رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون في بيان، أنّ الضمانات الأمنية أصبحت «أوضح وأكثر صدقية»، واصفاً ذلك بأنّه خطوة مهمّة نحو سلام مستدام: «لكنّ العديد من الأسئلة الصعبة لا تزال قائمة، ليس أقلّها ما يتعلّق بالأراضي، وما إذا كانت روسيا تريد السلام أصلاً».
وعلى سبيل المثال، اتفق الأوروبيّون والأميركيّون أيضاً على إنشاء وجود عسكري لما بعد الحرب في أوكرانيا، تقوده أوروبا وتدعمه واشنطن، «للمساعدة في إعادة بناء قوات أوكرانيا، وتأمين أجوائها، ودعم بحار أكثر أماناً، بما في ذلك من خلال العمل داخل أوكرانيا»، وفقاً لبيان أوروبي مشترك.
لكنّ روسيا رفضت باستمرار احتمال التوصل إلى تسوية تسمح بوجود قوات من أي دولة عضو في «الناتو» داخل أوكرانيا. كما أنّ ليس كل الدول الأوروبية مستعدّة لنشر قوات على الأرض هناك تحت أي ظرف.
وأعرب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أنّ موسكو غير مستعدّة لتقديم تنازلات إقليمية في محادثات إنهاء الحرب في أوكرانيا، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية «تاس». وأشارت الوكالة إلى أنّ ريابكوف كان يتحدّث عن دونباس، وكذلك عن شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا، التي تطلق عليها موسكو اسم «نوفوروسيا»، أو «روسيا الجديدة».
ولفت ريابكوف إلى أنّ وجود قوات أجنبية في أوكرانيا يُعدّ خطاً أحمر بالنسبة إلى موسكو: «نحن منفتحون على مناقشة حلول محتملة. ومع ذلك، لن نكون تحت أي ظرف مستعدّين لدعم أو الموافقة أو حتى تحمّل أي وجود لقوات تابعة لحلف الناتو على الأراضي الأوكرانية». وعندما سُئل عن احتمال نشر قوات أوروبية في أوكرانيا خارج إطار «الناتو»، أضاف ريابكوف: «لا، لا، ولا مرّة أخرى».
ويمتلك زيلينسكي شكوكه الخاصة حيال ما إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستذهبان فعلاً إلى الحرب ضدّ روسيا إذا انهار اتفاق السلام، في ضوء رفضهما القتال من أجل أوكرانيا بعد الغزو الشامل عام 2022. لكنّه عبّر أيضاً عن أمله في أنّه «إذا رفض بوتين كل شيء»، فإنّ الولايات المتحدة ستفرض عقوبات إضافية على موسكو، وتزوّد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة لمواصلة القتال.
وفي الماضي، كان الرئيس ترامب يَميل إلى التنقل بين إلقاء اللوم على زيلينسكي بتهمة عرقلة الاتفاق، ثم إلقاء اللوم على بوتين، والعودة مجدّداً. ويحاول الأوكرانيّون والأوروبيّون تحويل مسوّدة أولية من 28 نقطة للسلام، جرى إعدادها بين ويتكوف ومسؤول روسي رفيع، كيريل دميترييف، إلى مقترح متفق عليه يمكن لكييف قبوله.