أخصائية تغذية
أجسام البشر أقرب إلى مختبرات كيميائية نابضة بالحياة منها إلى آلات تحتاج مجرّد وقود. كل لقمة تدخل الجسم تحمل معها إشارات تُفعِّل تفاعلات دقيقة، تؤثر في الطاقة والمناعة والحالة النفسية.
مع توسّع الأبحاث في علم التغذية، بات واضحاً أنّ الفيتامينات ليست كماليات، بل أدوات حيَوية يعتمد عليها الجسم لتجري عملياته الأساسية بسلاسة. حتى النقص الطفيف قد يربك هذه المنظومة قبل ظهور أي علامة مرضية واضحة.
دعم العظام والحدّ من الالتهاب العام
الأبحاث المنشورة في Lancet Diabetes & Endocrinology توضّح أنّ فيتامين D يتجاوز دوره التقليدي في دعم العظام، ليشمل ضبط المناعة والحدّ من الالتهاب العام. التأثير الإيجابي يكون أوضح لدى مَن يعانون نقصاً فعلياً، إذ ينعكس تصحيحه على قوّة العضلات والمزاج والتعب المستمر. أشعة الشمس هي المصدر الأهم، فيما تُقدِّم الأسماك الدهنية وصفار البيض ومنتجات الألبان المدعّمة مصادر غذائية فعّالة.
فيتامين B12، اللاعب الرئيسي في صحة الأعصاب والدم، يشهد نقصاً متزايداً لدى مستخدمي الميتفورمين ومثبّطات حموضة المعدة بسبب تأثيرهما في الامتصاص. الدراسات تربط نقصه بمشكلات الذاكرة والتنميل وفقر الدم. وبما أنّه يتركّز في المنتجات الحيوانية كاللحوم والأسماك والبيض والألبان، يصبح النباتيون وكبار السن أكثر عرضة للحاجة إلى مُكمِّلات أو أغذية مدعّمة.
أمّا فيتامين A، فأساسي للرؤية الليلية وصحة الأغشية المخاطية التي تشكّل خط الدفاع الأول ضدّ الجراثيم. الأدلة الأوروبية والأميركية تشير إلى أمان البيتا-كاروتين النباتي الموجود في الجزر والبطاطا الحلوة والسبانخ، إذ يحوّله الجسم إلى فيتامين A وفق الحاجة. في المقابل، الإفراط في الريتينول الحيواني الجاهز، خصوصاً عبر الجرعات العالية من المكمِّلات، قد يقود إلى سمية خطرة.
فيتامين K يقدّم دوراً مزدوجاً
بين صحة القلب والعظام يقدّم فيتامين K دوراً مزدوجاً. K1 يرتبط أساساً بتخثر الدم ويكثر في الخضروات الورقية الداكنة، بينما تبدو الأدلة الحديثة واعدة حول دور K2، خصوصاً MK-7، في توجيه الكالسيوم نحو العظام والحدّ من تراكمه في الشرايين، على رغم من أنّ توصيات رسمية لا تزال قيد البحث. مصادره تشمل الأطعمة المخمّرة والألبان كاملة الدسم وصفار البيض.
وفيتامين C يظل حجر أساس في مقاومة الإجهاد التأكسدي وصناعة الكولاجين. الجرعات المناسبة لا تمنع نزلات البرد لكنّها قد تُقلّل مدّتها وأعراضها. نقصه يظهر في ضعف المناعة ونزيف اللثة وبطء التئام الجروح، وتوفِّره الفواكه الحمضية والفلفل الملون والكيوي والفراولة بكمّيات وفيرة.
مجموعة فيتامينات B مجتمعة هي محرّك الطاقة العصبية، فهي تدير تحويل الطعام إلى وقود وتشارك في تصنيع النواقل العصبية المؤثرة في المزاج والتركيز، وتدعم الحمل عبر حمض الفوليك. نقصها، حتى البسيط، ينعكس إرهاقاً واضطراباً ذهنياً، فيما الإفراط غير المنضبط في B6 قد يؤدّي لاعتلالات عصبية.