الآلاف يستقبلون البابا لاوون في لبنان ليصلّي في موقع انفجار بيروت
الآلاف يستقبلون البابا لاوون في لبنان ليصلّي في موقع انفجار بيروت
عبد اللطيف ظاهر- نيويورك تايمز
Wednesday, 03-Dec-2025 07:33

أدّت صلاة في موقع انفجار بيروت عام 2020 وقدّاس على الواجهة البحرية، إلى ختام زيارة البابا لاوون التي استمرّت 3 أيام إلى الدولة الشرق أوسطية التي تضمّ أعلى نسبة من المسيحيِّين.

قدّم البابا لاوون الرابع عشر صلاة صامتة في وقت مبكر من صباح أمس في موقع انفجار مرفأ بيروت، ذلك المشهد المروّع الذي أصبح رمزاً لأحد أحلك اللحظات في تاريخ لبنان.

 

فقد اشتعلت 2,750 طناً من نيترات الأمونيوم بدرجة عسكرية في المرفأ عام 2020، ما أسفر عن مقتل المئات وإصابة الآلاف وتسبّب بخسائر بمليارات الدولارات. كما التقى البابا عائلات الضحايا الذين قضوا في الانفجار، ويظلّ الكثير منهم بانتظار محاسبة المسؤولين.

 

وبعد صلاته الصامتة، مضى البابا لترؤس قدّاس عند الواجهة البحرية لبيروت، حيث يمتدّ البحر الأبيض المتوسط أمام المدينة وترتفع خلفها الجبال. بدأ آلاف الأشخاص - عائلات مع أطفالها، مسنّون يَسيرون ببطء، ومجموعات من الأصدقاء - بالتوافد منذ الفجر، وكثيرون منهم سَيراً على الأقدام بسبب إقفال الطرق المؤدّية إلى المنطقة الساحلية.

 

شكّل القدّاس ذروة أول رحلة دولية له كحبر أعظم، خاتماً زيارة استمرّت 6 أيام إلى تركيا ولبنان، الدولة التي تضمّ أعلى نسبة من المسيحيِّين في الشرق الأوسط. وخلال الرحلة، تحدّث البابا لاوون عن السلام، وحثّ على دعم الشباب، وروّج للحوار بين الأديان. لاقت دعواته صدى عميقاً في بلد - وفي منطقة - تعاني من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة.

 

اعتبر كثير من اللبنانيِّين أنّ حضوره منحهم لحظة نادرة من الوحدة والطمأنينة في بلدهم المنقسم والمثقل بذكريات الحرب، إذ ما زالت هدنة هشة مع إسرائيل صامدة على رغم من استمرار الضربات الإسرائيلية ومخاوف تجدّد الحرب.

 

أكّدت جويل قرم (42 عاماً)، التي كانت تتجوّل قرب موقع الانفجار مع أطفالها الثلاثة: «منذ اللحظة التي نزل فيها من الطائرة، شعرتُ بعمق أنّ المخلّص هنا. مع هذه الزيارة، نأمل أن يسود السلام، وأن نتوحّد جميعاً، وأن تأتي أيام أفضل».

 

وصول البابا إلى لبنان مختلف تماماً عن ذاك الذي استُقبِل آخر زيارة بابوية في عام 2012. فالانهيار الاقتصادي الذي بدأ عام 2019 وتفاقم بفعل إجراءات الإقفال خلال جائحة كورونا دمّر العملة، وأقفل المؤسسات، ومَحا المدّخرات. تبع ذلك غضب شعبي على الفساد، ما أدّى إلى احتجاجات ضخمة مناهضة للحكومة. ثم جاء انفجار المرفأ عام 2020، الذي قتل المئات ودمّر مباني معالمية. واليوم، لا تزال كتلة خرسانية متشقّقة ترتفع فوق الموقع، شاهدة صارخة على قوة الانفجار.

 

بدءاً من أواخر 2023، اندلعت حرب مدمّرة بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية المسلّحة، فدمّرت الأسواق والقرى في الجنوب، وأعاقت البنية التحتية، وشرّدت أكثر من مليون مدني، وفق الحكومة اللبنانية. وقد ضَعُفَت قوّة «حزب الله» - وهو قوة سياسية وعسكرية نافذة مدعومة من إيران - بشكل كبير، مع اغتيال كبار قادته وإطاحة حليفه في سوريا، بشار الأسد.

 

أمّا رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام الجديدان في لبنان، اللذان اختيرا في كانون الثاني، فيواجهان مهمّة إعادة البناء واستعادة الخدمات الأساسية على رغم من استمرار الضربات الإسرائيلية.

 

جاء البابا وسط هذا الاضطراب، ساعياً إلى حمل رسالة أمل ووحدة، وإلى تأكيد دعم الفاتيكان للشعب اللبناني.

 

على مدى 3 أيام تخلّلتها أمطار متقطعة، استُقبل بالزغاريد والصفارات وهتافات اسمه. وفي أنحاء بيروت والبلدات المجاورة، لوّح المحتشدون بالأعلام اللبنانية وأعلام الفاتيكان، واجتمعوا تحت لوحات إعلانية تحمل صورته إلى جانب عبارة «طوبى لصانعي السلام». تحدّث بالإنكليزية والفرنسية وقليل من العربية، واستمع إلى رسائل من الشباب والقادة السياسيِّين والشخصيات الدينية التي تُمثّل جماعات لبنان المتنوّعة.

 

ورأى كريم إميل بيطار، الأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت، الذي كان يحضر القدّاس أيضاً، أنّ «هذه الزيارة مهمّة لأنّ الفاتيكان تاريخياً كان من أبرز حُماة الوحدة الوطنية اللبنانية. وهذه الزيارة رمزية لأنّها تأتي في وقت يصل فيه القلق الوجودي لمعظم اللبنانيِّين إلى أعلى مستوياته».

 

أثارت زيارة البابا انتقادات من بعض اللبنانيِّين الذين تساءلوا عن كيفية إعادة تعبيد الطرق بسرعة وتشديد الإجراءات الأمنية خلال أيام استعداداً لوصوله، بينما لا تُبذل جهود مماثلة لصالح المواطنين العاديِّين.

 

ولفت ميغيل واكيم (32 عاماً)، وهو متعامل تجاري في بيروت، إلى أنّه «عانينا وطالبنا بهذا لسنوات. لكن للأسف، اعتدنا هذا من حكومتنا».

 

على وسائل التواصل الاجتماعي، سخر البعض بمرارة، ونشروا صوراً ساخرة حول احتمال تجدّد التوتر مع إسرائيل بعد مغادرة البابا لاوون - في حين أعرب آخرون عن أملهم في أن تجلب هذه الزيارة تحسينات أطول أمداً.

 

وأقرّت بولا شديد (45 عاماً)، التي كانت تحضر القدّاس مع زوجها وابنها وصديقه: «العالم نسيَنا. لكن نأمل أن تجلب هذه الزيارة السلام والتغيير».

theme::common.loader_icon