لو جاندر استوضحت واستمعت: هل يقلع الدور الاوروبي؟
لو جاندر استوضحت واستمعت: هل يقلع الدور الاوروبي؟
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
Saturday, 15-Nov-2025 06:57

زيارة مستشارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون السياسية لشؤون إفريقيا الشمالية والشرق الاوسط آن - ماري لوجاندر للبنان، كانت مهمّة في توقيتها ودلالاتها. فعلى رغم من الطابع الاستطلاعي لزيارتها، أصرّت على تبادل بعض الأفكار والمعلومات والمعطيات مع من التقتهم، سواء كانوا مسؤولين رسميين أو قادة أحزاب وتيارات وشخصيات.

تناولت لوجاندر في اتصالاتها موضوع وقف إطلاق النار ودور الجيش في منطقة جنوب الليطاني، وعمل لجنة «الميكانيزم»، إضافة إلى موضوع الإصلاحات. وكان واضحاً أنّ الزائرة الفرنسية أكثرت من طرح الأسئلة على المسؤولين الكبار، لتتأكّد من مزاعم إسرائيل التي تحدثت عن تقصير الجيش في القيام بالمهمات المطلوبة منه في منطقة جنوب الليطاني. لكن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أوضح أنّ كل ما يُقال عن هذا الموضوع غير صحيح إطلاقاً، وأنّ الجيش يضطلع بما هو مطلوب منه بانضباط، ودقة وحرفية، وقد فَقَد 12 شهيداً بين ضابط ورتيب وجندي، أثناء القيام بعملياته من دهم لمخازن الأسلحة والذخيرة ونسف الأنفاق، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة أو تفجير قذائف. كما كان واضحاً أنّ تل أبيب تمارس ضغطاً كبيراً على الدول الاوروبية المعنية مباشرة بوضع لبنان، وفي مقدمها فرنسا، من أجل الأخذ بسرديتها وفرض إملاءات على الجيش اللبناني، ولو تناقضت مع خطته ورؤيته للوضع. وقد أخذت لوجاندر في الاعتبار طروحات الجانب اللبناني لتعزيز دور «الميكانيزم» لحفظ الأمن والاستقرار في جنوب لبنان. وفاتحت المسؤولين اللبنانيين بتوجّه عدد من الدول الاوروبية لأن تحلّ قوات منها مكان قوات «اليونيفيل» بعد انتهاء مهماتها نهائياً في الجنوب السنة المقبلة، على أن تعمل تحت علم «الاتحاد الاوروبي». وبطبيعة الحال، فإنّ الجانب اللبناني رحّب بهذا الاقتراح مبدئياً، ولكن ذلك يخضع لعملية سياسية وعملانية واتصالات واسعة النطاق مع كل الجهات المعنية بأزمة لبنان. وهذا الموضوع سيتمّ التعاطي معه- كما فُهم - بكثير من العناية والاهتمام، لأنّه في منتهى الدقة والحساسية، لكنه يبقى احتمالاً قائماً إذا لم تستجد معطيات ميدانية تتيح للجيش اللبناني سيطرة تامة على جنوب الليطاني، من دون حاجة إلى مؤازرة «اليونيفيل» أو قوات دولية أخرى، بناءً على معاهدة ثنائية (لبنان- الاتحاد الأوروبي).
اهتمت لوجاندر بموضوع العلاقة الراهنة بين لبنان وسوريا ما بعد الاسد، فكان الجواب أنّ العلاقة جيدة وأنّ التنسيق قائم، والحدود مضبوطة بنحو مرضٍ، لكن ذلك لا يُعدّ كافياً اذا لم يقترن بترسيم الحدود البحرية والبرية، على نحو ينهي الإشكالات بين البلدين. شجعت المستشارة الفرنسية هذا التوجّه، وعرضت خدمات بلادها التي تمتلك كل خرائط الحدود بين البلدين، ولها خبرة تمتد إلى فترة انتدابها على لبنان من العام 1920 إلى العام 1943، وهي فعلاً حدّثت هذه الخرائط وهي صالحة لاعتمادها كمرجع ساعة انطلاق صافرة الترسيم.
وسألت لوجاندر عن الإصلاحات وعمّا يُسرّب من معلومات عن بطء في إقرارها والشروع في تنفيذها، فكان الجواب أنّ قطار الإصلاحات أقلع، وأنّ ثمة قضايا قد سلكت طريقها إلى التنفيذ، ولكن ليس بالسرعة المرتجاة، وذلك لوجود عقبات تتصل بآلية إقرارها والمسار الطويل في المجلس النيابي، بدءاً من اللجان النيابية بلوغاً إلى الهيئة العامة. وأكّد المسؤولون اللبنانيون، أنّ الالتزام بالإصلاح ثابت لا يتغيّر، وهو عهد آله على نفسه ولن يبدل، خصوصاً أنّ التزام الرئيس عون المتكرّر بما سبق أن اعلنه في «خطاب القَسَم» هو نهائي، ولا تخونه شجاعة المواجهة وتسمية الأشياء بأسمائها.
زيارة لوجاندر، كانت مناسبة لتطلع ميدانياً على واقع الحال في لبنان، والمعاينة المباشرة لمجريات الأحداث، والاستماع إلى آراء المسؤولين والقيادات السياسية، لكي تحدث خطتها المرسومة سابقاً لمساعدة لبنان في تجاوز مشكلاته وعبور أزماته. ولكن ما يجدر سؤاله:
ـ إلى أي حدّ تسمح واشنطن لباريس بهامش من الحركة والمبادرة، ولو في بلد كلبنان تربطها به علاقات خاصة ومميزة تمتد إلى قرون من الزمن؟
- إلى أي حدّ ستسهّل تل أبيب مهمّة فرنسا في مساعدة لبنان على ترتيب شؤونه العالقة في الأمن والحدود، وما هو الثمن الذي تريده؟ في أي حال لا يزال لبنان تحت المجهر الدولي ـ الإقليمي، وفي خط وسط بين تفجير محتمل وانفراج موعود. وزيارة لوجاندر، وإن تمّت في مثل هذه الأوضاع المعقّدة والبالغة الحساسية، هي دليل على أنّ الزيارات «التفقدية» لموفدين أجانب تبدو ضرورية لـ«دوزنة» إيقاع التعامل مع ملفات لبنانية مزروعة بالشوك.

theme::common.loader_icon