في موسمٍ تتبدّل فيه المعادلات من سباقٍ إلى آخر، وتتأرجح فيه الهيمنة بين فرقٍ ظنّت أنّ اللقب في متناولها، جاءت جائزة المجر الكبرى لتُربك الحسابات مجدّداً. سباقٌ لا يشبه ما سبقه، لا في نتائجه ولا في تفاصيله، إذ اصطدمت الموهبة بالتكتيك، والسرعة بالقرارات، والطموح بالواقع.
من قمّة الانطلاق إلى خيبة المركز الرابع، من معركة داخل الفريق الواحد إلى تراجع أبطال الأمس، ومن عودة خجولة لفريقٍ غاب عن الواجهة، روَت المجر حكايةً مكتملة الفصول. حكايةٌ كان عنوانها: لا شيء مضمون، لا حتى حين تبدأ من الصف الأول.
حلم بابايا يخطفه...
في قلب حلبة المجر الضيّقة والمنهِكة، اندلعت معركة داخل بيتٍ واحد، لكنّ أطرافها لم يتصرّفوا كزملاء. لاندو نوريس وأوسكار بياستري، ثنائي ماكلارين المتصدّر، دخلا في صراعٍ تكتيكي معقّد أشبه بلعبة شطرنج بسرعاتٍ جنونية. اختار نوريس، بخبرة السنوات، الوقفة الواحدة وإدارة الإطارات ببرودة أعصاب، محافظاً على مركزه الأول أمام تهديدٍ مستمر من زميله. فيما راهن بياستري على إيقاع أعلى وتوقفَين سريعَين، ساعياً للانقضاض على الصدارة في اللفات الأخيرة.
وعلى رغم من أنّ الفريق حاول الحفاظ على توازن هشّ بين سائقَيه، فإنّ الواقع على الحلبة كان مختلفاً؛ بياستري لم يُخفِ رغبته في التجاوز، وتلميحاته عبر اللاسلكي كشفت عن احتقانٍ متصاعد. «لا يهمني لوكلير، فقط أعطني فرصة للفوز»، قالها بياستري بوضوح لفريقه، في لحظة عبّرت عن التحوّل من زمالة تنافسية إلى صراع مفتوح على الزعامة.
المعركة لم تُحسم بفارق مريح، بل بفارق لم يتجاوز 0.6 ثانية عند خط النهاية، لكنّها كانت كافية ليُثبت نوريس أنّه لا يزال الرقم الأصعب داخل الفريق، ويؤجّل حلم الأسترالي الصاعد. وبقدر ما حمل الفوز قيمةً رقمية، إلّا أنّه أطلق إشارات واضحة: الصراع في ماكلارين لم يَعُد تحت السيطرة، وما حدث في المجر قد يكون مجرّد بداية لصيفٍ مشتعل.
من القمّة إلى لا وجود
فيما اشتعلت المنافسة في مرآب ماكلارين، عانى شارل لوكلير من ظروف مختلفة تماماً. انطلق من الصدارة بعد التجارب التأهيلية بفارق مذهل، وحافظ على الريادة في اللفات الأولى، قبل أن ينحرف مسار سباقه تماماً بعد الوقفة الثانية. ما بدا بداية واعدة تحوّل إلى محنة حقيقية مع ازدياد تراجع الأداء، وألمحت البيانات إلى خلل تقني في هيكل السيارة - مشكلة في الشيسيه بدأت بالظهور من حوالى اللفة الـ40، وسرعان ما تفاقمت لدرجة أنّ الفارق في نهاية المطاف وصل إلى ثانيتَين عن الزمن القياسي لكل لفة، ممّا جعل السيارة «غير قابلة للقيادة»، بحسب وصف لوكلير.
على رغم من أنّ استراتيجية فيراري كانت ثنائية الوقفة، واختار تركيب الإطارات الصلبة للتعامل مع تآكل الإطارات، فإنّ التحكّم الفني افتقد التوازن المطلوب بعد هذا العطل المفاجئ. وقد اعترف السائق الموناكي، بعد التهيّؤ للتصريحات، بأنّه كان على خطأ في التقييم المبدئي للمشكلة أثناء السباق، وأنّه ظنّ أنّها قابلة للتدارك، قبل أن يتضح أنّ الأمر تقني بحت وليس خطأ استراتيجياً فقط.
فشل هاميلتون
في حلبة يعتبرها من أبرز إنجازاته، عاش لويس هاميلتون عُطلة نهاية أسبوع محبطة مع فيراري. بعد خروجٍ مفاجئ من التصفيات في المرحلة الثانية (Q2)، احتل المركز الـ12، فوصف نفسه بأنّه «عديم الفائدة تماماً»، مُعلّقاً أنّ الفريق ربما يحتاج إلى تغيير السائق.
أمّا خلال جلسات تجارب الحصص الحرّة، فقد عانى من مشكلة توازن واضحة في السيارة، حيث كان التوازن يختلف من زاوية إلى أخرى، ما أثر على ثقة القيادة لديه. حاول الفريق تعديل الإعداد بين FP1 و‑2، لكنّ النتائج بقيت مخيِّبة للآمال، حتى أنّ هاميلتون نبّه الفريق عبر اللاسلكي بأنّ السيارة «لا تمنحني شعوراً جيداً».
فشل البريطاني في التعويض عن البداية الضعيفة، وظلّ عالقاً بالمركز الـ12 من دون أي نقاط تُذكر، وهي أسوأ نتيجة له مع الفريق الإيطالي منذ انضمامه إليه.
قدّم جورج راسل أداءً لافتاً، منطلقاً من المركز الـ18 لينهي في المركز السادس، مستفيداً من استراتيجية مرسيدس الذكية وتراجع بعض المنافسين. كما سجّل يوكي تسونودا نقاطاً ثمينة لألفا تاوري بعد سلسلة من السباقات المخيّبة، مؤكّداً على تطوّر أداء الفريق. أمّا ريد بول، فعلى رغم من التعديلات التي أدخلها على سيارة فيرستابن، إلّا أنّ الأداء بقي متواضعاً مقارنةً بالمواسم السابقة، ما يعكس تقلّص هيمنته وسط تصاعد قوة ماكلارين وأستون مارتن.