منذ 15 عاماً، وُجد من يشارك محمود درويش ألمه بفقدان «ريتا». ألم أمّ لم يتسنّ لها رؤية إبنتها تؤسس بيتها العائلي الخاص، فاختارت أن تخرج قوة الحب من رحمها... فكان «بيت ريتا».
بفخر وامتنان، روت نوال صليبا حكاية إبنتها التي انتهت عند الفصل الثالث والعشرين. فمذ كانت على مقاعد المدرسة، اعتادت ريتا مساعدة الفقراء وكفل الأيتام من دون الإلتفات إلى طائفة أو مذهب الأولاد، إلى أن رحلت عن هذه الدنيا إثر حادث سير سببه شاب لحق بها لا تزال هويته مجهولة حتى اليوم.
وقالت صليبا لـ«الجمهورية»: «عام 2005، وصلت رسالة من زوجي أثناء وجودي في تونس مع والدتي وشقيقي، طلب فيها منا العودة إلى لبنان لأن ريتا تعرّضت لحادث سيارة وهي مصابة في رأسها»، موضحة أنه «خلال رحلتي إلى بيروت، حدث معي انخطاف رأيت خلاله ابنتي ريتا وقد توفيت». وأضافت: «توجهت إلى مار شربل لتثبيت الإنخطاف بمساعدة الكهنة، وفي الذكرى الأربعين لوفاة ريتا أراني مار شربل لافتة كتب عليها «بيت ريتا» ومن هنا بدأ مشوار الجمعية»، مشددّة على أن «ريتا تساعدني وترشدني عبر رسائل قد لا يفهمها أحد سواي، نظراً للعلاقة بين الأم وابنتها، خصوصاً في حال الوفاة، وأفهمها أنا نظراً لإيماني ورجائي بالله».
نظراً لظروف كورونا القاهرة هذا العام، انخفضت وتيرة المشاريع الجديدة في الجمعية، التي اعتادت مساعدة الفقراء والأيتام، كتخصيص مشاريعها المادية ونشاطاتها التعليمية والترفيهية لقرى الأطفال «SOS»، لتشمل في ما بعد دور الأيتام والمسنّين للطوائف كافة، إضافة إلى الأديرة.
وأشارت إلى أن الجمعية «تقدّم منحاً دراسية لثلاثة تلامذة سنوياً تستمر حتى المرحلة الجامعية والتخرّج مع تقديم مساعدات إنسانية»، إضافة إلى توجيه الفتيات، وتوزيع ملابس جديدة غير مستعملة للفقراء مع رفض المشاركة بملابس مستعملة.
وعن تمويل الجمعية، أكّدت صليبا أنه «في بداية المشوار، زوجي كان هو المموّل الأساسي، وذلك من خلال مساعدات من شركته الخاصة، إلّا أنه في ما بعد، قررت أن أستخدم حصتي وحصة ريتا بعدما أخذت موافقة شقيقيها»، متحدثة عن أن شريكاً في أحد المصارف يساهم بدفع نصف قيمة الأقساط الجامعية.
تعترف صليبا أن فكرة الجمعية لم تكن فكرتها، بل فكرة ريتا الراحلة، مشيرة إلى أن رحلة الـ15 عاماً هذه لم تكن سهلة، وأنها «عندما بدأت بمساعدة الأيتام «تلخبطت» مشاعري ونفسيتي، وقررت إنهاء المساعدات وذلك لمدة أسبوعين تقريباً».
وفي هذا الإطار، روت أنها كانت ترى ريتا في الحلم وهي تبكي، متسائلة عن السبب، إذ أنه بالنسبة إليها، فإن ابنتها مرتاحة بجوار الرب، فاستنتجت أنها تريدها أن تكمل رسالتها، وعدم التوقف عن مساعدة الآخرين. من هنا أكدت صليبا: «بعد حادث ريتا، كنت شي وصرت شي».
أن تسامح «أم ريتا» مَن كان السبب في مقتل فلذة كبدها ليس أمراً جبّاراً فحسب، بل إنه قوة خارقة. وعبر جمعية «بيت ريتا»، لا تعود غريبة فكرة إن أجمل الورود هي التي تغادر إلى جوار الرب أولاً، إلّا أن رحيقها يطبع في بسمة كل طفل، عجوز أو شاب عَلِمَ أن له ملاكاً حارساً في السماء.
تبقى ريتا أغنية جميلة في القلب.