أيّتها المصارف: الثقة تُكتسب...
فادي عبود
Friday, 05-Dec-2025 07:25

اعتبر رئيس جمعية المصارف سليم صفير، في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي، أنّ القطاع المصرفي اللبناني «تعرّض لحملات ظالمة وممنهجة»، وأنّه «حُمِّل زوراً مسؤولية الفجوة المالية الهائلة في البلاد». ودعا صفير إلى إعادة الثقة بالقطاع، ليكون شريكاً في عملية نهوض البلاد واستعادة العافية الاقتصادية.

لكن ما فات رئيس الجمعية، وما نُكرِّره منذ سنوات، هو أنّ الثقة لا تُعاد بالخطابات ولا بالتبرّؤ من المسؤوليات. لقد قلنا مراراً وتكراراً، إنّ الطريق الوحيد نحو استعادة الثقة يبدأ بـ: مصارحة المودعين بالحقيقة كاملة. ليس بنصف الحقائق، ولا بتبادل الاتهامات، بل بفتح دفاتر المصارف وكشف مسار الودائع منذ 17 تشرين 2019 حتى اليوم.

 

كيف تتوقعون أن تعود الثقة إليكم وأنتم لم تصارحوا الناس حتى الآن بما فعلتم بأموالهم طوال السنوات الست الماضية؟

كيف تطلبون من المودعين أن يطمئنّوا إليكم من جديد، فيما أموالهم ما زالت مجمّدة في بنوككم، محتجزة بين أيديكم.

 

لقد إئتمنكم الناس على جنى أعمارهم، على تعَب السنين، على تعَب الغربة والعرق والكدّ. ومع ذلك، ما زلتم ترفضون أبسط حقوقهم: أن يعرفوا ماذا جرى لأموالهم.

 

الثقة لا تُطلب. الثقة تُبنى. ولا تُبنى على الغموض، ولا على البيانات الإنشائية، بل على الشفافية في أعمال الناس.

تقولون إنّ الدولة «سرقتكم»، وإنّ مصرف لبنان استنزف سيولتكم، وإنّكم لستم مسؤولين عمّا حصل. حسنٌ، فإن كنتم صادقين، فلماذا لا تفتحون دفاتركم للرأي العام؟

 

لماذا لا تكشفون حركة الحسابات، وتثبتون بالأرقام أنّ ما تقوله الدولة والمصرف المركزي غير صحيح؟

 

وخصوصاً أنّ الحاكم السابق رياض سلامة صرّح في مقابلته الأخيرة على قناة «العربية»، بأنّه أعاد إلى المصارف كلّ الأموال «الفريش» التي دخلت إلى لبنان بين عامَي 2017 و2023، «وفوقها 23 مليار دولار».

 

إنّ مَن يُريد الحقيقة لا يخاف من الضوء.

وإنّ مَن يريد إنقاذ القطاع لا يُخفي قيوده وعملياته وفوائده وتحويلاته.

إنّ أبسط قواعد العدالة تقول: مَن يطالب الناس بالثقة... عليه أوّلاً أن يبرهن أنّه أهلٌ لها.

 

ولن يكون ذلك إلّا بفتح الحسابات، وكشف كل عملية جرت خلال الأزمة، ليعرف المودع أين ماله، ومَن يتحمّل المسؤولية.

 

نحن لم نطالب يوماً بإلقاء الظلم على المصارف أو تحميلها ما ليس من مسؤوليتها. ولم ندّعِ أنّ كلّ المصارف نهبت أموال الناس أو هرّبت الأموال. لكنّنا نقول وبوضوح: لا يمكن إقناع الرأي العام ببراءة المصارف فيما أصحابها وكبار إدارييها يعيشون في بحبوحة ورفاهية ويشترون المباني وأملاكاً وحتى مصارف في الخارج، بينما آلاف اللبنانيِّين فقدوا جنى أعمارهم، وتحطّمت أحلام الطلاب، ووقف الأهالي عاجزين أمام فواتير التعليم والاستشفاء.

 

نُكرِّر، إنّنا لا نريد الظلم للمصارف، لكن بالتأكيد من غير المقبول أن يغتنوا من إفقار المودعين.

لا يوجد طريق مختصر. ولا يوجد خطاب قادر على الهروب من الحقيقة.

 

إن كنتم تريدون فعلاً استعادة دوركم الطبيعي في الاقتصاد، وإن كنتم جادّين في الحديث عن «النهوض»: افتحوا حساباتكم وواجهوا مسؤولياتكم في إرجاع الودائع فوراً.

الأكثر قراءة