كيف أصبحت المجاعة أسوأ بكثير في غزة؟
آرون بوكسرمان، صامويل غراندوس، بورا إردين، إيلينا شاو- نيويورك تايمز
Saturday, 02-Aug-2025 07:27

خلال الأسابيع القليلة الماضية، لم يكن الحصول على الطعام في غزة مجرّد أمر صعب، بل كان مميتاً.

قُتل المئات من الفلسطينيِّين أثناء توجّههم إلى مواقع توزيع المساعدات، كثيرون منهم برصاص القوات الإسرائيلية. فيما يعاني كثيرون آخرون من سوء تغذية حاد، بحسب ما كشفه مسؤولو الصحة في غزة عن التسبّب في وفاة العشرات.

 

وبحسب بيانات إسرائيلية رسمية، فإنّ كمية الطعام التي دخلت غزة أمس، أقل ممّا كانت عليه في معظم مراحل الحرب، حين كانت الإمدادات أصلاً أدنى بكثير من احتياجات السكان بحسب تقديرات منظمات الإغاثة، وكان الجوع منتشراً بالفعل.

 

فكيف ساء الوضع إلى هذا الحدّ؟

 

بعد حصار كامل، خطة إسرائيلية أقامت مواقع توزيع أقل وأبعد. في شهر آذار، فرضت إسرائيل حصاراً كاملاً على المساعدات الإنسانية لغزة، في محاولة للضغط على «حماس» لتقديم تنازلات؛ كما زعمت - من دون تقديم أدلة - أنّ الجماعة المسلحة تسرق الإمدادات بشكل منهجي. ولم يؤدِ ذلك إلى إجبار «حماس» على القبول بشروط إسرائيل، لكنّه أدّى إلى انتشار الجوع على نطاق واسع بين سكان غزة.

 

وبعد تصاعد الضغوط الدولية، أنشأت إسرائيل في أيار نظام مساعدات جديداً في جنوب ووسط غزة، يمنحها سيطرة أكبر على عمليات تسليم المساعدات.

 

في السابق، كانت معظم المساعدات تدخل عبر نظام منسّق من قِبل الأمم المتحدة، التي كانت توزّعها عبر مئات المواقع في مختلف أنحاء قطاع غزة.

 

أمّا النظام الجديد، الذي تديره «مؤسسة غزة الإنسانية» (G.H.F)، فقد شمل 4 مواقع فقط. وأحياناً، كان يفتح واحد منها فقط في اليوم. ولم يكن أي منها يقع في شمال غزة.

 

النتيجة: كان على الغزيِّين أن يَسيروا لساعات وسط منطقة حرب للوصول إلى هذه المواقع. عندما استأنفت إسرائيل السماح بدخول الغذاء إلى غزة في أواخر أيار، سمحت أيضاً للأمم المتحدة بإدخال بعض المساعدات، وإن كان ذلك بدور محدود. وقد ألقت إسرائيل باللوم على الأمم المتحدة بسبب قلة حجم المساعدات، بينما تؤكّد الأمم المتحدة أنّ إسرائيل كثيراً ما ترفض أو تؤخّر الموافقات على قوافل الإغاثة، إلى جانب تحدّيات أخرى.

 

يُطلب من الناس عبور خطوط عسكرية

 

أصرّت إسرائيل على أن تكون مواقع «مؤسسة غزة الإنسانية» ضمن مناطق خاضعة إلى سيطرتها العسكرية. واعتبر المسؤولون الإسرائيليّون إنّها الطريقة الوحيدة لضمان عدم وصول الطعام إلى يَد «حماس».

 

لكنّ ذلك يعني أنّ آلاف الفلسطينيِّين اضطرّوا إلى عبور خطوط القوات الإسرائيلية العسكرية للحصول على صندوق طعام من نقاط التوزيع.

 

والنتيجة كانت مميتة. فقد قُتل أكثر من 600 شخص أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع المؤسسة، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وقد شكّكت المؤسسة في تقارير عن وقوع عمليات إطلاق نار قرب مواقعها، لكنّها أقرّت بأنّ المناطق المحيطة بها لا تزال ساحة قتال نشطة.

وأظهرت صور ومقاطع فيديو من محيط المواقع حشوداً من الناس على مقربة من دبابات إسرائيلية.

 

الجيش استخدم الذخيرة الحية

 

يؤكّد شهود فلسطينيّون أنّ جنوداً إسرائيليِّين استخدموا الذخيرة الحيّة قرب مراكز المساعدات أثناء توجّه الغزيِّين إليها. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنّ قواته أطلقت النار لتفريق الحشود أو كطلقات تحذيرية، عندما اقترب أشخاص بطريقة «مريبة» على حدّ وصفه.

 

أطلع مسؤول عسكري إسرائيلي الصحافيِّين لاحقاً، وأقرّ بأنّ القوات الإسرائيلية قتلت بالفعل عدداً من الأشخاص، بعضهم باستخدام قذائف مدفعية، أثناء محاولة الحشود الوصول إلى المواقع.

 

وأضاف المسؤول أنّ تلك كانت «حوادث معزولة»، وزعم أنّ الأرقام المعلنة للضحايا مبالغ فيها. وقد تحدّث بشرط عدم الكشف عن اسمه التزاماً بالبروتوكول العسكري.

 

المواقع تُفتح لفترات قصيرة وغير متوقعة

 

واجه الغزيّون صعوبة متكرّرة في معرفة متى وأين يمكنهم الحصول على المساعدات من المواقع التي تدعمها إسرائيل، ما زاد من حدّة الفوضى والارتباك.

 

كانت نقاط التوزيع الجديدة تُفتح من دون سابق إنذار تقريباً، وتُغلق فور نفاد الطعام. وعلى أمل الحصول على صندوق طعام، بدأ الفلسطينيّون في التوافد قبل ساعات، بل في منتصف الليل، انتظاراً لفتح المواقع.

 

في منتصف حزيران، أعلنت المؤسسة عبر «فيسبوك» عن فتح المواقع قبل حوالي نصف ساعة أو أقل، ثم أُغلقت بعد أقل من 15 دقيقة، إذ أعلنت المؤسسة أنّ الطعام قد نفد.

 

حاول البعض قطع الطوابير أو الخروج عن المسارات المحدّدة من قِبل المؤسسة. وأحياناً، أطلق الجنود الإسرائيليون النار عندما اقتربت الحشود الفلسطينية منهم، في أوقات لم تكن فيها المواقع مفتوحة، بحسب الجيش الإسرائيلي.

 

كما أنّ المسارات «الآمنة» المؤدّية إلى المواقع لم تكن واضحة دائماً. وتزعم المؤسسة أنّ الجيش الإسرائيلي وضع لاحقاً لافتات لتحديد الاتجاهات للفلسطينيِّين. وتدافع المؤسسة عن أدائها، مؤكّدةً أنّها سلّمت أكثر من مليون صندوق مساعدات في مواقعها لسكان غزة على رغم من الظروف الصعبة.

 

المواقع تفتقر إلى أبسط معايير الحماية الأساسية المطلوبة

 

حين تُفتح مواقع التوزيع لفترات قصيرة، يجد الفلسطينيّون أنفسهم في سباق يائس للحصول على الطعام. لا يوجد طابور منظّم؛ بل يتدافع الأقوى والأسرع لالتقاط ما يمكنهم من الأرض. وكثيرون يغادرون من دون أي شيء.

 

تفتقر مواقع مؤسسة غزة الإنسانية إلى البنية التحتية أو حتى الظل. وتُظهِر لقطات من هناك منطقة منبسطة محاطة بحواجز ترابية وأسلاك شائكة، وبعض الأسوار. يندفع الناس في حالة هلع عبر المنحدرات، ويتسلّقون الأسوار الشائكة للحصول على الطعام.

 

في بعض الأحيان، ألقى المقاولون الأمنيّون الأميركيّون العاملون في تلك المواقع قنابل غاز مسيل للدموع على الحشود المتجمّعة في ممرّات ضيّقة مسوّرة بلا مخرج واضح، بحسب ما تُظهره المقاطع المصوّرة. في منتصف تموز، قُتل حوالي 20 شخصاً في تدافع بأحد المواقع؛ وألقت المؤسسة باللوم على «مثيري شغب مرتبطين بحماس» في إشعال الفوضى.

 

الخطر أدّى إلى مزيد من اليأس

 

الأطباء في غزة يبلّغون عن معدّلات متصاعدة من سوء التغذية. ويؤكّد برنامج الأغذية العالمي أنّ أكثر من شخص من كل 3 لا يأكلون لعدة أيام. وتشير السلطات الصحية في غزة إلى أنّ أطفالاً يعانون من سوء تغذية حاد لقوا حتفهم.

 

بالإضافة إلى النظام الجديد للتوزيع، تواصل الأمم المتحدة إيصال المساعدات في مناطق من غزة حيث تسمح لها إسرائيل بالعمل. ومع تزايد الغضب الدولي خلال الأسبوع الماضي، أوقفت إسرائيل عملياتها العسكرية في بعض المناطق لعدة ساعات يومياً، وحدّدت مسارات آمنة لقوافل الأمم المتحدة.

 

لكنّ الفلسطينيِّين يعترفون بأنّ العثور على الطعام لا يزال بالغ الصعوبة والخطورة. ففي الأيام الأخيرة، تدافع المئات حول قوافل الأمم المتحدة، يائسين للحصول على الطعام. وتُظهر مقاطع مصوّرة من محيط شاحنات المساعدات حشوداً من الرجال يتدافعون للحصول على الغذاء.

 

كثيرٌ من سكان غزة إمّا مسنّون أو ضعفاء جداً أو خائفون جداً من المخاطرة بالذهاب إلى مواقع المساعدات. وبدلاً من ذلك، يدفعون مبالغ باهظة لشراء أي طعام - معظمُه مساعدات أُعيد بيعها - يصل إلى الأسواق في القطاع.

 

والتكلفة مرهقة لسكان أرهقتهم الحرب والتدمير على مدى 22 شهراً. فقد يصل سعر كيلوغرام الطماطم إلى نحو 30 دولاراً، بينما يتجاوز سعر كيلوغرام السكر 100 دولار، بحسب غرفة تجارة وصناعة غزة.

 

الإسقاط الجوي للمساعدات لن يحلّ الأزمة

 

بعد موجة غضب دولية متزايدة بسبب الكارثة الإنسانية، أعلن الجيش الإسرائيلي يوم السبت أنّه سيستأنف عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات في غزة.

 

وبدأت دول مثل الأردن والإمارات بإسقاط صناديق المساعدات جواً. لكنّ خبراء المساعدات يُحذّرون من أنّ الإسقاطات الجوية خطيرة ومكلفة وغير كافية لمعالجة أزمة الجوع المتفاقمة. فهي تكلّف أضعاف ما يُكلّفه إدخال الكمية عينها من المساعدات عبر المعابر البرية التي تسيطر عليها إسرائيل.

 

وغالباً ما تتضمّن الإسقاطات الجوية نحو 10 أطنان من الإمدادات في كل مرّة. بينما يمكن لشاحنة واحدة تعبر الحدود أن تحمل ضعف تلك الكمية بتكلفة أقل بكثير.

 

في العام الماضي، توقفت دول عدة عن إسقاط المساعدات جواً إلى غزة بعد مقتل عدد من الأشخاص بسببها. وفي محاولات أخرى، سقطت المساعدات داخل إسرائيل أو في البحر.

 

وكتبت وزارة الخارجية البريطانية على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء: «الإسقاطات الجوية وحدها ليست الحل. وحدها الشاحنات يمكنها إيصال المساعدات على النطاق المطلوب».

الأكثر قراءة