اتفاقيات أبراهام لماذا لم تصل إلى السلام؟
فيفيان نيريم - نيويورك تايمز
Monday, 14-Jul-2025 07:19

في رسالة وجّهها الأسبوع الماضي لترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، أثنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدّة على الاتفاقيات الديبلوماسية المعروفة باسم اتفاقيات أبراهام، التي أرست علاقات ديبلوماسية بين بلاده و3 دول عربية.

في رسالته إلى لجنة نوبل النرويجية، وصف نتنياهو اتفاقيات عام 2020، التي توسّط فيها ترامب، بأنّها «اختراقات» أدّت إلى «إعادة تشكيل الشرق الأوسط»، محقّقةً «تقدّماً تاريخياً نحو السلام والأمن والاستقرار الإقليمي». لكنّ الشرق الأوسط لم يظهر أنّه مدرك لأي من هذا التقدّم.
فحتى في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يلتقي في واشنطن الأسبوع الماضي بترامب ومسؤولين أميركيِّين آخرين، كانت القوات الإسرائيلية تواصل قصفها المدمِّر لقطاع غزة، وهاجم الحوثيّون في اليمن سفينتَين تجاريّتَين في البحر الأحمر، فيما استمرّت حرب أهلية وحشية في السودان. وقبل أسابيع فقط، كانت إسرائيل والولايات المتحدة تقصفان إيران، التي كانت تردّ بإطلاق الصواريخ. ولا تزال القوات الإسرائيلية على الأرض في كل من لبنان وسوريا، في أعقاب حروب انتهت قبل أشهر فقط.
خلال السنوات الـ5 تقريباً التي انقضت منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، ما انفكّ ترامب ونتنياهو ومسؤولون أميركيّون وإسرائيليّون آخرون يصفون الاتفاقات المبرمة مع الإمارات والمغرب والبحرين بأنّها «اتفاقات سلام».
لكنّ الباحثين المتخصِّصين في المنطقة يرَون أنّها مجرّد صيغة بلاغية، تتجاهل حقيقة أنّ إسرائيل لم تكن في حالة حرب، أو أي نوع من العنف، مع الإمارات أو البحرين على الإطلاق. كما أنّ المغرب بقيَ بمعزل عن الصراع العربي-الإسرائيلي، باستثناء إرساله قوة رمزية إلى حرب عام 1973، أي قبل أكثر من 50 عاماً.
أكّد حسين إبيش، الباحث البارز المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وهو مركز بحثي، أنّ الاتفاقيات: «ليس لها علاقة بالسلام. السلام كان الطريقة التي جرى تسويقها بها. لكن هذا لا يعني أنّ لذلك أي معنى. لم تكن هذه اتفاقية تنهي حرباً».
في جوهرها، تجاوزت الاتفاقيات الصراع المركزي، وهو الصراع بين إسرائيل والفلسطينيِّين، وأعلنت التوافق بين أطراف لم تكن تتقاتل أصلاً. ومنذ ذلك الحين، أصبحت عبارة «السلام الإقليمي» غامضة ومحل جدل في الشرق الأوسط، بحسب عبد العزيز الغشيان، الباحث السعودي والزميل غير المقيم البارز في منتدى الخليج الدولي.
وأضاف الغشيان، أنّه وجد نفسه يسأل مؤيّدي اتفاقيات أبراهام: «مَن هي الأطراف المعنية في هذا السلام الإقليمي؟». وتبيّن له أنّ البعض يعتبر هذا المفهوم قائماً على «تجاهل تام للقضية الفلسطينية».
في بيان لـ»نيويورك تايمز»، دافع البيت الأبيض عن إرث الاتفاقيات، معتبراً أنّ الحروب في المنطقة لا علاقة لها بفعاليّتها «ولا يمكن لأي قدر من التلاعب بالتاريخ أو التضليل من النشطاء الليبراليِّين ومموّلي الحزب الديمقراطي أن يمحو اتفاقيات أبراهام التاريخية والتحويلية التي أبرمها الرئيس ترامب وجلبت السلام إلى الشرق الأوسط. فقط الرئيس ترامب كان قادراً على تأمين هذه الاتفاقيات، ويستحق جائزة نوبل للسلام على كل ما قام به لإنهاء الحروب والنزاعات التي لم يتمكن أي زعيم عالمي آخر من إنهائها».
قدّم المسؤولون والمشرّعون الأميركيّون من كلا الحزبَين اتفاقيات أبراهام على أنّها نقطة تحوّل قادرة على تغيير الشرق الأوسط، لأنّها سمحت للسيّاح والمستثمرين الإسرائيليِّين بالتوافد على دبي، أكبر مدن الإمارات، وأُبرمت اتفاقيات جديدة في مجالَي التكنولوجيا والطاقة. كانت إسرائيل وبعض دول الخليج قد بدأوا بالفعل تعاوناً تجارياً وأمنياً سرّياً من تحت الطاولة. فنقلت الاتفاقيات التعاون إلى العلن وسمحت له بالتوسّع. لكن هذا لم يكن الشكل الذي قدّم به الموقّعون على الاتفاقيات تلك.
عند الإعلان عن الاتفاقيات، أكّد نتنياهو من شرفة البيت الأبيض: «إنّ بركات السلام الذي نصنعه اليوم ستكون هائلة. وفي النهاية، يمكن أن ينهي الصراع العربي-الإسرائيلي مرّة واحدة وإلى الأبد».
وأضاف ترامب في الحفل، أنّ الاتفاقيات تُشكّل «فجر شرق أوسط جديد»، وتحدّث عن مستقبل يعيش فيه «الناس من جميع الأديان والخلفيات معاً في سلام وازدهار». لكن بعدما أُطفئت كاميرات الأخبار، لم يعمّ السلام والازدهار أرجاء الشرق الأوسط بطبيعة الحال.
تعمّقت السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بدلاً من أن تخفّ، كما كان المسؤولون الإماراتيّون يأملون عند توقيعهم للاتفاق. وأعضاء من حكومة نتنياهو يدعون الآن إلى احتلال طويل الأمد لقطاع غزة. وآفاق قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، تكون القدس عاصمتها، وهو هدف طالما نادت به الدول العربية، تبدو الآن أبعد من أي وقت مضى.
قامت اتفاقيات أبراهام على فكرة التعاون العربي-الإسرائيلي مع تجاوز القضية الفلسطينية، لكنّ «ذلك كان خطأً منذ البداية، ولم يكن مفاجئاً أن تُظهر غزة أنّه كان خطأ»، برأي مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، مضيفاً: «ربما صُدم البعض، لكن ما كان ينبغي أن يصدمهم».
ويوضّح الغشيان، أنّ المسؤولين السعوديِّين والعرب لطالما أكّدوا أنّ القضية الفلسطينية «متفجّرة، ولا يمكن للمنطقة أن تمضي قُدماً من دون حلّها. قبل 7 أكتوبر، كانت مصدر قلق نظري. الآن، بات ملموساً».
أمّا الخبر الوحيد المحتمل أن يكون إيجابياً في ما يخصّ النزاعات في الشرق الأوسط أخّيراً، فهو من سوريا، حيث انتهت الحرب الأهلية أخيراً بإطاحة المتمرّدين بالديكتاتور السوري بشار الأسد. لكنّ النصر لا علاقة له باتفاقيات أبراهام، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيؤدّي إلى سلام واستقرار دائمَين داخل سوريا، أو إلى سلام مع إسرائيل. كثيراً ما عبّر المسؤولون الأميركيّون والإسرائيليّون عن رغبتهم وتوقّعاتهم بانضمام دول أخرى، وفي مقدمتها السعودية، إلى الاتفاقيات. لكنّ ذلك لم يتحقق.
سنوات من المحاولات لإقناع السعودية بالانضمام إلى الاتفاقيات باءت بالفشل. وتبنّت إدارة بايدن هذا المسعى بحماس، وسعت إلى صفقة تقوم على منح الولايات المتحدة مزايا كبرى للمملكة. لكنّها لم تُثمر، إذ يعتقد محلّلون أنّ الحرب في غزة جعلت هذا الاحتمال أقل ترجيحاً.
وأضاف الغشيان: «داخل الخليج، لا توجد أي إمكانية للتوسّع»، على الأقل وفق الإطار نفسه لاتفاقيات أبراهام. وخصوصاً في السعودية، فإنّ الفكرة أصبحت «ملوّثة».

الأكثر قراءة