هذه التطمينات تفيد أنّ مرسي تعرّض لضغوط سياسية داخلية وخارجية أملَت عليه موقفاً تصعيدياً مغايراً لأجواء القمة وتحضيرات الإيرانيّين لإنجاحها، الأمر الذي كاد أن يطيح بالقمة وأهدافها.

فطهران لا تريد إفساد علاقتها مع الإخوان المسلمين في مصر وتونس بسبب تصريح من هنا أو موقف من هناك، وهي تسعى إلى استثمار هذه العلاقة في محاولاتها الدؤوبة إنقاذ حليفتها دمشق من مأزقها الراهن، ولقناعتها أنّ المبادرة المصرية تعدّ خرقاً نوعياً في جدار المثلث الإقليمي الصلب التركي - السعودي - القطري، حيث وضعت جلّ اهتمامها وتركيزها على دمج المبادرة الإيرانية بالمصرية.

وتؤكّد مصادر مطلعة على صلة بالمفاوضات حول سوريا، أنّ صالحي استطاع كسب موافقة مصر وتركيا على هذه المبادرة لكنّهما اشترطتا أن يقوم النظام السوري بخطوة عملية تقضي بسحب الدبابات والآليات الثقيلة من الشوارع والعودة بها إلى الثكنات ووقف منسوب العنف كبادرة حسن نية قبل الاجتماع المرتقب لمجموعة الاتصال الرباعية التي ستعقد على مستوى وزراء الخارجية الأسبوع المقبل في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.

وتضيف المصادر أنّ الاجتماع فيما لو نجح وحضره المندوب السعودي، ستجد المبادرة طريقها نحو التنفيذ. ولأنّ مجموعة الاتصال الرباعية تفتقد إلى التوازن حسب الإيرانيين، جهد صالحي لإقناع الأطراف الأخرى في المجموعة بضرورة توسيعها لتضمّ فنزويلا باعتبارها عضواً في ترويكا دول عدم الانحياز، والعراق باعتباره الرئيس الدوري لجامعة الدول العربية.

المبادرة الإيرانية - المصرية

هذه التحفظات والشروط التركية - المصرية أبلغها صالحي إلى القيادة السورية التي يبدو أنها لن تمانع تطبيقها ولا سيما مع وجود ضمانات إيرانية - مصرية. وقد رحّب الرئيس السوري بالمبادرة الإيرانية وبأي مبادرة تقوم على أساس منطقي وتضمن سيادة سوريا واستقرارها.

وتقضي المبادرة الإيرانية - المصرية، التي وُصفت هنا بخارطة طريق إيرانية من اجل سوريا، بإرسال مراقبين إقليميين من دول مجموعة الاتصال الرباعية (إيران - تركيا - السعودية - مصر) لمراقبة تطبيق فوري لإطلاق نار متزامن من الجانبين، النظام والمعارضة، وتشكيل لجنة مصالحة وطنية بمشاركة كل أطياف المعارضة الداخلية والخارجية لإجراء عملية ديموقراطية وانتخابات حرة ونزيهة بإشراف مراقبين إقليميين ودوليين، يبدو أنّ الأسد سيكون خارجها. فإيران تقول إنّها متمسكة بالحل الذي يختاره السوريون وليس بالأسد، حسب المصادر، على رغم المخاطر والخسائر التي سيتكبدها المحور الإيراني وحلفاؤه.

وتشدد المصادر على أنّ "إيران تخسر في الوقت الراهن من رصيدها الشعبي والسياسي على مستوى المنطقة بسبب دعمها النظام السوري، حيث تعتقد أنّ موقفها هذا هو وفاء لسوريا التي تشكل الحديقة الخلفية لإيران والخط الأمامي في مواجهة إسرائيل وأميركا".

أما غياب المندوب السعودي عن اجتماع القاهرة فقد عزته المصادر إلى خلاف بين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده، فالأخير ما يزال يرفض أي حوار مع النظام السوري ما دام الأسد موجودا في السلطة، فيما الملك السعودي يملك مقاربة مختلفة للحل في سوريا أرست أسسها زيارة الرئيس محمود احمدي نجاد الأخيرة إلى السعودية على هامش قمة منظمة التعاون الإسلامي الاستثنائية في مكة، وقد ظهرت ملامح هذا التفاهم أمام وسائل الإعلام من خلال الحفاوة التي خصّ بها الملك السعودي نجاد.

حوار مع "الاخوان"

وفي سياق متصل، وتمهيدا للحوار، تواصل الديبلوماسية الإيرانية اتصالاتها المكثفة مع المعارضة السورية وتحديداً مع الأخوان، مستفيدة من علاقاتها مع الإخوان في مصر وتونس وحركة "حماس" لإقناع المعارضين السوريين بالجلوس على طاولة الحوار على رغم أنّ الأخيرة تعيش انقساما حاداً في قيادتها حول مستقبل العلاقة مع إيران في ضوء الموقف من سوريا، الأمر الذي يقلق الإيرانيين ويدفعهم إلى التعامل مع "حماس" بمرونة وتساهل تارة ولغة تحذير واستنكار طوراً.

لكنّ رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية سارع إلى تطمين طهران في خطابه عبر شاشة مغلقة من غزة للمشاركين في مؤتمر حول القدس أقيم في طهران، حيث قال إنّ الشعب الفلسطيني لن يتخلّى عن أصحاب الفضل.

إذاً تفاؤل طهران الحذر بنجاح المبادرة المصرية - الإيرانية أو ما يروج له الإيرانيون تحت مسمّى خارطة طريق إيرانية لسوريا على رغم صعوبتها وضبابية الموقف السعودي، تقول المصادر أنه لم يأت من العدم.

فثمة معطيات إقليمية ودولية جديدة وتحول تدريجي في الموقف الغربي والأميركي تحديداً بعد مقتل السفير الأميركي وثلاثة ديبلوماسيين في بنغازي على يد إسلاميين متشددين، وقلق الولايات المتحدة المتزايد من فوضى الربيع العربي الذي يدفع بالإخوان المسلمين والأصولية السنية المتشددة نحو مواقع متقدمة في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط.