بطريرك الكنيسة الكلدانية... للمرّة الأولى في لبنان
بطريرك الكنيسة الكلدانية... للمرّة الأولى في لبنان
باسكال بطرس
جريدة الجمهورية
Friday, 20-Sep-2013 00:31
للمرة الأولى منذ تنصيبه بطريركاً على الكنيسة الكلدانية، يصل مار لويس روفائيل ساكو إلى لبنان في زيارة رسمية تستمرّ خمسة أيام، يشارك خلالها في قمة روحية إستثنائية تُعقد في بكركي لدرس شؤون المسيحيين، في ظلّ الأحداث المؤلمة التي تتعرّض لها منطقة الشرق الأوسط.
تنتمي الكنيسة الكلدانية الشرقية، المعروفة أيضاً بكنيسة بابل الكلدانية، الى الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، مركزها في بغداد وتتّبع المذهب الروماني الكاثوليكي وهي في شركة تامة مع بابا روما.

تفتخر باستعمالها اللغة السريانية بلهجتها الشرقية، وهي من سلالة اللغة الآرامية التي نطق بها السيد المسيح. انشقَّت هذه الكنيسة عن كنيسة المشرق الآشورية، أي كنيسة الآشوريين أو كنيسة السريان المشارقة ويدعون أيضاً بالنساطرة لأنهم اتّبعوا مذهب نسطور، والتي كانت قد انشقت بدورها عن شقيقتها الغربية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية العام 431 م، وينعتان بالغربية والشرقية، بحسب موقعهما من نهر الفرات.

ويتوزّع أبناء الكنيسة الكلدانية حالياً في العراق وتركيا وسوريا وإيران ولبنان، إضافة الى المهاجرين القاطنين في أوروبا وأميركا وأوستراليا ومصر وكندا.

واليوم، وفي أول زيارةٍ رعويّةٍ له بعد ارتقائه السُّدّة البطريركية وتنصيبه منذ نحو الأشهر الستة بطريركاً، يزور بطريرك بابل على الكلدان، وهو الذي يصفه كلّ من عرفه بـ"أب وأخ الجميع، بطريرك الأصالة والتجدّد والوحدة على الكلدان"، أبرشية بيروت الكلدانيّة من 25 وحتى 30 أيلول الجاري.

دخلت مجموعة من الاعتبارات في تنظيم الزيارة وتوقيتها، خصوصاً في ظلّ الأحداث التي يتعرّض لها الشرق، انطلاقاً من التهجير المؤلم الذي يستنزف المسيحيّين في العراق وصولاً الى الأحداث المؤلمة التي تدور في سوريا، وأدّت الى نزوح عددٍ كبير من كلدان العراق وسوريا الى لبنان.

الوجود الكلداني في لبنان

يعود الوجود الكلداني في لبنان الى نحو العام 1869 على ما تذكر الوثائق التاريخية. وقد عُيّن أوَّلُ كاهنٍ كلداني في لبنان عام 1882 وهو الخوري لويس أخرس. وبعدما هبّت الحرب العالمية الأولى ووضعت أوزارها في تركيا وجوارها، وإثر المذابح الأليمة التي أودت بحياة أعدادٍ لا تُحصى من المسيحيّين، كثُرت الهجرة الى لبنان وقد عُيّن حينها أوّلُ زائرٍ بطريركي للكلدان في لبنان وهو الخوري يوسف يونان الطويل سنة 1895.

اشترى البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما قطعة أرضٍ لتكون مقرّاً للكلدان في لبنان، عام 1906، في منطقة الرميل. وفي هذه المرحلة، خدم أبناءَ الطائفة الكلدانية في لبنان الخوري منصور كرياكوس الذي درس في إكليريكية غزير وارتسم كاهناً في 1909، ثم عقبه الخوري يوسف تفنكجي في 1927، وكان أوَّل من شيّد كنيسةً للكلدان في لبنان بالعاصمة بيروت.

عامَ 1930، بدأ العمل بتشييد كنيسة على اسم القديسة تريزيا في منطقة رأس النبع وقد خدمها أيضاً الخوري يوسف نعيم الذي افتتح قربها مشغلاً لعمل الفتيات في الخياطة والتطريز.

اليوم، فضلاً عن مدينة بيروت، ينتشر الكلدان في شتّى المناطق اللبنانية لا سيّما في زحلة. وقد استطاعت أبرشيّة بيروت الكلدانية في عهد رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، الذي تسلّم زمامها منذ العام 2001 الى يومنا الحاضر، استكمال مشروع مدافن الطائفة في منطقة عين سعادة (ماران آثا) مع كنيسة القيامة التابعة له، وأن تنجز مشروع إنشاء وتجهيز المركز الصحي - الإجتماعي سان ميشال في منطقة سدّ البوشرية، بإدارة كاريتاس لبنان ودار المطرانية الكلدانية، مع تجهيز نادي الشبيبة.

الزيارة الرعوية

في حديث إلى "الجمهورية"، يوضح قصارجي أنّ "الهدف الأساسي من الزيارة روحي، إذ إنّ من صلاحيات وواجبات البطريرك المنتخب أن يزور الأبرشيات التابعة لكنيسته حول العالم والتواصل مع شعبه، حتى يثبّت أبناؤه بالايمان والرجاء والمحبّة ويتعرّف على نشاطات الأبرشيّة ومؤسّساتها".

ويشير إلى أنّ "هذه الزيارة تكتسب أهمية بالغة في الظرف الحالي، كون البطريرك عضواً في مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، فضلاً عن أنه ملمٌّ جداً بأوضاع المنطقة، وله لقاءاته وانفتاحه الكبير وخصوصاً في مجال الحوار الاسلامي - المسيحي في الشرق"، لافتاً إلى "أنّنا من دعا البطريرك لزيارة رسمية إلى لبنان عندما كنا في نشارك في السينودس في بغداد".

ويؤكد قصارجي أنّ "الزيارة تتزامن مع الأوضاع الدولية والإقليمية ووضع المسيحيين المشارقة، وهي زيارة إلى الكلدان اللبنانيين وغير اللبنانيين الآتين خصوصاً من العراق وسوريا، ليشجّعهم ويعزّيهم ويعطيهم قوّة ورجاء للاستمرار للشهادة للمسيح في هذه المنطقة من العالم التي شهدت ولادة المسيحيّة، فهم جزء لا يتجزأ من تراث وحضارة العالم العربي"، داعياً إياهم إلى "الحفاظ على هذا التراث والبقاء في مناطقهم والتجذّر في هذه الأرض المقدّسة".

ويضيف: "صحيح أنّ الكنيسة الكلدانية كنيسة صغيرة هنا بحجمها، ولكنها، وبإرادة أبنائها، تتوق الى أن يكون حضورها فاعلاً ككل الطوائف، وهذه هي الناحية السياسية للزيارة التي سيلتقي خلالها البطريرك رئيس الجمهورية وجميع الفاعليات الروحية"، كاشفاً عن "قمّة روحيّة كاثوليكية - أرثوذكسية استثنائية، دعا اليها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي يوم الجمعة المقبل عند الحادية عشرة ظهراً، والتي تتزامن مع زيارة البطريرك ساكو الى لبنان في حضور جميع البطاركة الكاثوليك وغير الكاثوليك في الشرق، وذلك لدرس شؤون المسيحيين في المنطقة في ظلّ الأحداث المؤلمة التي تتعرّض لها منطقة الشرق الأوسط".

ويقول: "إثر هذه القمة، سيصدر بيان يشمل أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط، إلّا أننا لن نكتفي بإصدار بيان استنكار بل سنسعى الى التوصل لآلية عمل للتواصل، ما يحتاج الى أرضية معينة وبرنامج معين لأنه على الشعب الحفاظ على ثقته بالقيادات الروحية"، مشدداً على "ضرورة متابعة أزمات المسيحيين ومواكبتها في الدول العربية المعنية بأزمة المسيحيين في الشرق، من لجنة منبثقة عن مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهما، وذلك انطلاقاً من سوريا، إلى جانب زيارة الدول العربية مثل سوريا، العراق، الأردن، مصر، السعودية، قطر، تركيا وإيران".

ويذكر قصارجي أبرز محطات زيارة البطريرك ساكو الذي يصل الى مطار رفيق الحريري الدولي عند الرابعة عصر الأربعاء المقبل، على أن يرأس صلاة الشكر في كاتدرائية الملاك روفائيل في بعبدا - برازيليا عند الخامسة، ويلتقي بعدها أبناء الأبرشية الذين سيستقبلونه في صالون المطرانية".

ويتابع: "يزور البطريرك يوم الجمعة 27 أيلول البطريرك الراعي عند الحادية عشرة والنصف صباحاً في بكركي حيث تنعقد القمة الروحية لبطاركة الشرق، على أن تتبعها أمسية موسيقية تنظّمها الاوركسترا الكلاسيكية لقوى الأمن الداخلي بقيادة المقدّم زياد مراد عند السادسة مساء، وتتضمّن فقرات روحيّة، وفقرات من التراث اللبناني، وفقرة من الموسيقى العالميّة في كتدرائية الملاك روفائيل في بعبدا برازيليا".

ويلفت الى أنّ "البطريرك ساكو سيزور رئيس الجمهورية صباح السبت 28 أيلول، على أن يرأس الأحد قداساً لمناسبة عيد رؤساء الملائكة ميخائيل وجبرائيل وروفائيل، ويزور مطرانية بيروت الأشورية عند السادسة عصراً، ويشارك مساءً في العشاء الرسمي في اوتيل "رويال". ويغادر البطريرك ساكو لبنان يوم الاثنين 30 أيلول عند الثانية عشرة والنصف ظهراً بعد مؤتمر صحافي في صالون الشرف في المطار".

وفي الختام، تمنّى قصارجي على أبناء الكنيسة الكلدانية في لبنان وعلى جميع اللبنانيين المشاركة في محطّات هذه الزيارة، خصوصاً في استقبال البطريرك والقداس الاحتفالي الذي يرأسه الاحد 29 أيلول حيث سيقدّم رسالة روحية تشجيعية.

ويختم قصارجي، داعياً مسيحيّي لبنان والعراق إلى "الحفاظ على وجودهم في هذا الشرق والتحلّي بالرجاء لأنّ الغد أفضل من الحاضر والمستقبل سيكون حتماً مشرقاً وواعداً".
theme::common.loader_icon