مسلسل «جذور» أكل حقوق الممثلين
مسلسل «جذور» أكل حقوق الممثلين
اخبار مباشرة
جوزف طوق
جريدة الجمهورية
Wednesday, 14-Aug-2013 23:49
لم تكن نهاية مسلسل «جذور» مفاجئة لكنّها كانت ناقصة، وزواج الأبطال والنهايات السعيدة هي أجمل ما يمكن تقديمه للمشاهد العربي الغارق في ميوله الرومانسية أينما حلّ. لكن في هذا المسلسل بالذات، ضاع مفهوم البطولة وكثرت الأميرات وفرسان الأحلام، ولم نكتفِ كمشاهدين بخاتمة واحدة غاب عنها مصير كثير من الأسماء التي سمّرتنا في كنباتنا طوال 60 حلقة.
كان زواج كارلا (باميلا الكيك) ومالك (يوسف الخال) في نهاية مسلسل "جذور" السعيدة أمراً متوقّعاً من جهة، ومعروفاً من جهة ثانية بسبب الفارق في مواقيت العرض على مختلف الشاشات العربية، ولكن على رغم ذلك، واصلنا جميعنا مشاهدة الحلقات بتمعّن، ليس حشرية منّا بمصير الأبطال، ولكن إعجاباً منّا بأداء شريحة كبيرة من الممثلين الذين أوقعونا في حبّ مصائبهم وعاهاتهم وزلّاتهم وعُقَدهم.

وعلى غرار المثل القائل إنّ المال لا يصنع الإنسان، المسلسلات بغالبيتها أيضاً لا تصنع الممثلين، وإنّما تُبنى على إبداعهم. وفي "جذور" ليس الأمر مختلفاً بتاتاً سوى في أنّ بعض الممثلين انغمسوا في أدوارهم لدرجة أنّهم حوّلوها من منفّرة الى محبّبة ومن قبيحة إجتماعياً إلى جميلة جماهيريّاً.

ووجدنا أنفسنا كمشاهدين في بداية المسلسل نتابع ممثلين في أدوار نرفض تصرّفاتهم في حياتنا العادية، لكنّنا سرعان ما انقلبنا مع مرور الحلقات على شعائرنا الإجتماعية وانغمسنا مبتسمين في مشاهد مليئة بالعنف والتخلّف والتعصّب والجهل، واقتنعنا بها... لا، أكثر... تقبّلناها.

جلست فاتن (ختام اللحام) بلسانها السليط وتصرّفاتها السوقية أمام ذاك المنزل الحقير، و بـ"كاسة بزر"، حوّلته إلى قصر من الإبداع في التمثيل حتى كدنا نهمّ إلى كناسة الأرض المليئة بـ"البزر" أمامها علّها تمتّعنا ولو مرّة بعد بجولة جديدة من إبداعها.

وفي حين نحارب العنف الأسري، تجدنا في الوقت نفسه متضامنين مع أسعد (سلطان ديب) في جولات العنف والذلّ بحق زوجته، فأجبرنا بليونة أدائه أن نحضن على التلفزيون ما نخاف أن نواجهه في حياتنا الحقيقية.

وحتى "إبن الـpapi" أنور (وسام حنا)، الذي كان من المفترض أن يكرهه المشاهدون بسبب جشعه وخموله، إنقلب على دوره ودخل القلوب على أنّه المدلّل المنبوذ، والغريب أنّه دفعنا مراراً إلى مراجعة نظرتنا بشخصيته.

وفريال (سهى قيقانو) التي لعبت أرخص دور في المسلسل، تربّعت على عرشين، في الأوّل إلى جانب شقيقتها فاتن في حرب "البزر" على الفقر والملل، وفي الثاني إلى جانب زوجها سمير (مجدي مشموشي) في حربه على ويلات الماضي ووجع الضمير اللذين جسّدهما بإبداع، فأقنعتنا مرّتين بمدى سطوة الجهل. أمّا في منزل جهاد (فادي ابراهيم) فحدِّث ولا حرج عن التخلّف والقهر المتقطّر من ثلاث شخصيات تولّى أداءَها ثلاثة ممثلين أشقياء.

أدمعت أعيننا ليس مرّة وإنّما ثلاث مرّات، أوّل مرّة على تخلّف جهاد الذي تقمّص بدوره شخصية العديد من الآباء الموجودين بيننا والذين يواظبون على تعنيف بناتهم بإسم الحب الأبوي، والثانية مع عايده (مارينيل سركيس) بعد أن تكشّف معها كيف يتحوّل جهل الأم الممزوج بالعاطفة إلى سلاح فتّاك هادم للبيوت، وفي المرّة الثالثة ذرفت الدموع على مصائب عبير (تانيا فخري) ولم يتمكنّ أحد منا من لجم نفسه عن التعاطف مع الشابة التي وقعت ضحية تخلّف عائلتها، أو كما اعتبرناها لعدّة مرّات عائلتنا.

عايده وعبير أبدعتا حتى كدنا نخال مشاهدهما مسلسل بحدّ ذاته، ولا نقدر سوى أن نشكرهما على كلّ تلك الجولات من الهستيريا التي دمّرت بواقعيتها بعضاً من عصبيتنا.

وعلى رغم الأسماء الكبيرة المشاركة في العمل، إلّا أنّ النجومية في "جذور" لم تُمنح لا على عدد سنوات الخبرة ولا على التراتبية في الجنريك، بل مُنحت لأصحاب الأدوار الثانوية الذين أمسكوا بأيدينا من خلف الكاميرا وأخذونا في نزهة وجدانية عبر مشاكلنا الإجتماعية والدينية والسياسية التي هي جذور مشاكل هويتنا الشخصية والجماعية. فأين حقوق نجومنا بنهاية تليق ببطولاتهم، ولا بدّ أن نسأل عن الجزء الثاني الذي يمكن أن يكشف مصائرهم.
theme::common.loader_icon