الأمومة: غريزة أم قرار؟
الأمومة: غريزة أم قرار؟
اليسار حبيب
جريدة الجمهورية
Wednesday, 14-Aug-2013 23:46
غالباً ما ترتبط كلمة أمومة بالزواج، ولكن هل يرتبط تعبير الزواج بالأمومة لدى جميع النساء؟ فمن الواضح أنّ التقدّم الذي طرأ على حياة المرأة العصريّة جعل قرارها في الإنجاب يتعرّض للإهتزاز، حيث باتت مسألة الأمومة تتأرجح بين الرغبة المطلقة وما يُسمّى الواجب تجاه الشريك.
يُقال إنّ النساء يملكن ما يسمّى "غريزة الامومة"، حيث إنّ الإنجاب هو حلمهنّ الثاني بعد الزواج الوردي والحياة الرومانسية؛ ولكن ثمّة نساء يخشين الإنجاب وينفُرنَ من الأمومة. فهل تكون الأمومة غريزة تتحكّم بالمشاعر أم أنّها قرار نابع من الإصرار؟

بين الشعور والخيار

تعود عبارة "غريزة الأمومة" الى القرن التاسع عشر وهي تتمثل بموقف الام تجاه ولدها والذي يقضي بحمايته وتأمين حياة مستقرة له، وهذا الموقف هو في الإجمال طبيعي لدى سائر الأمّهات، ومن هنا أتت تسمية الغريزة.

هكذا تُعرّف الاختصاصية في العلاج النفسي - العائلي إستير بو أنطون غريزة الأمومة، موضحةً أنّ "مع تطوّر الاختبارات وتقدّم الدراسات العلميّة، تبيّن أنّ بعض الأمّهات لا يملكن هذه الغريزة، ويملكن مشاعر مختلفة تجاه فكرة الإنجاب والأمومة".

ومن هنا، فإن عبارة "غريزة الأمومة" لم تعُد مُعتمدة بمعناها السابق، "فالشعور بالأمومة هو نتيجة عمليّة نفسيّة مُعقّدة ويتأثر بعوامل مختلفة نفسيّة وإجتماعيّة وثقافيّة وتربويّة، وبالتالي لم يعد يُمكننا الجزم بأنّ هذا الشعور غرائزي"، وفقَ ما تؤكد أبو أنطون لـ"الجمهورية".

لا علاقة للهورمونات

وتوضح: "على رغم أن الهورمونات الأنثويّة تشجّع الأم على الاهتمام بولدها، إلّا أنها غير كافية لتحسين العلاقة بينهما بشكل دائم، لذلك نجد أمهات يُهملن أطفالهنّ ويعاملنهم على نحو سيّئ أو عدائي، أو حتى أنهن يتخلّين عنهم فيوكلنَ تربيتهم إلى مُربّين أو دور رعاية"، وبالتالي فإن هذا كلّه يدلّ على أنّ الأمومة ليست تصرّفاً غرائزياً، بل هي نتيجة عمليّة تكتسبها الأمّ خلال علاقتها بطفلها وعنايتها به.

وخلال عملها في العيادة، تقول بو أنطون إنّها تستقبل آنسات وأمّهات يعانين صعوبة في هذا الموضوع، حيث "نجد أن بعض الآنسات يرغبن في الزواج من دون إنجاب، إذ إنهن يفضّلن تكريس أوقاتهن للعمل وعيش الحياة برفقة الشريك فقط، علماً أنّهن يُبدينَ إهتماماً كبيراً وعاطفة تجاه الأطفال، أمّا في ما يخصّ الأمّهات اللواتي لم يُردنَ الإنجاب، وأنجبنَ أولاداً لاحقاً، فيعتبرنَ أنّ الأمومة حصلت لأسباب إجتماعيّة أو بناءً على رغبة الشريك".

عدم الرغبة في الإنجاب

وقد فرّقت المعالجة النفسية في معرض حديثها عن عدم الرغبة في الانجاب بين ثلاثة أسباب، هي:

1- أسباب تتعلّق بعلاقة المرأة مع أمّها في فترة الطفولة: يشكّل الخلل في العلاقة مع الأم من جهة والأب من جهة أخرى، حاجزاً أمام بناء علاقة ملائمة بين الأمّ وابنتها، وهذا ما يؤثّر لاحقاً على شعور الأنوثة لدى الفتاة ورغبتها في الأمومة.

2- تفضيل الحياة العمليّة على الأمومة: أحياناً كثيرة تُفضّل المرأة حياتها العملية والحفاظ على صحّتها وجمال قوامها على الأمومة، حيث تخشى التعرّض لانتكاسات صحّية بسبب الإنجاب. وغالباً ما يكون الخوف من الأمومة موجوداً لدى السيدات اللواتي يتطلّب عملهنّ ظهورهنّ بطريقة مثالية على صعيد الشكل الخارجي.

3- الأمراض النفسية: بعض النساء يُعانين أمراضاً نفسيّة وعصبيّة تؤثر في نظرتهنّ لأجسادهنّ وقدراتهن النفسيّة والعاطفية مّا يؤثر سلباً في رغبتهنّ بالإنجاب.

وختمت بو أنطون حديثها مؤكّدةً أنّ "الانسان يتمتّع بالوعي وبحريّة الإرادة وبالمشاعر والرغبات التي تدفعه للقيام بتصرف معينة في الحياة، وبالتالي فإن الشعور بالأمومة هو نتيجة إستعداد نفسي وعاطفي وذهني، كذلك ينبع أيضاً من رغبة شخصية وقرار بإعطاء الحياة لمولود جديد"، وفي هذه الحال، "تكون الامومة نابعة من إرادة وليس من كونها غريزة".
theme::common.loader_icon