العقل والحب: حلفاء أم أعداء عندما ينبض القلب؟
العقل والحب: حلفاء أم أعداء عندما ينبض القلب؟
اليسار حبيب
جريدة الجمهورية
Tuesday, 30-Jul-2013 00:02
تنجذب إليه وتشعر بأنّ قلبها سيتوقّف من كثرة خفقانه... تعلم بأنّها مغرمة به وبأنّها تحبّه ولن تعرف حبّاً أقوى وأعظم، ولكن شيئاً ما يمنعها من الانجراف وراء تلك المشاعر وتخليد قصّة عشق... فهل هو المنطق؟ وهل صحيح أنّ العقل يقف عائقاً أمام خفقان القلب وإستمرارية الحبّ؟
كثيراً ما تكلّمنا في مقالات سابقة عن الحبّ والعلاقات العاطفية، وكثيراً ما أكّدنا بأنّ العلاقات العاطفية معقّدة وصعبة، فأحياناً ينجذب الرجل الى المرأة ليقعا معاً في حبّ جميل. لكنّ هناك عناصر كثيرة تفرّق العاشقين وتمنع حبّهما وتجعله مستحيلاً. فما هو الحبّ إذاً؟ وما هي عواقبه؟ ومن يقوى عليه؟

الحب يجعل الانسان يتخطى ذاته

بحسب التعريف العلمي، الحب هو "إنجذاب عاطفي أو جسدي يشعر به شخص تجاه الآخر، فيرغب بالاتحاد به، كما يتضمّن الحب الأهواء المختلفة التي تجعل الانسان يتخطّى ذاته، وتخلق له أهدافاً جديدة وأسمى ممّا يكون هو عليه بالأساس، فيشعر بأنّه يريد أن يحيا من أجل الآخر ومن خلاله"، بهذه العبارة عرّفت الاختصاصية في العلاج النفسي-العائلي إستير بو أنطون الحبّ مفرّقةً بين أوجهه الكثيرة والمختلفة.

وفي حديثها الأسبوعي لـ"الجمهورية"، أكّدت بو أنطون أنّ للحب أوجه عديدة، حيث نجد حبّ الانسان للّه، وحبّه للوطن، حب الأهل لأبنائهم، حبّ الزوجين لبعضهما، حب الأصدقاء، حبّ الفن والخير والجمال والحقّ... وإنّ لكلّ إنسان طموحاته ومشاعره التي تقوده الى توجيه واستثمار حبّه بطريقة معيّنة خاصّة ومختلفة عن الآخر.

أمّا في موضوعنا اليوم، فإننا سنتناول حبّ المرأة للرجل وما يترتّب عن هذه العلاقة خاصّة حين يكون العقل والمنطق هما العنصران الأساسيّان فيها وهما يحرّكانها. فما هو دور المنطق في العلاقة الغراميّة إذاً؟

في الحبّ... يختلف المنطق

نوّهت بو أنطون الى أهميّة اللجوء الى المنطق في حياتنا حيث أنّ ذلك يعتبر "أمراً يساعدنا على التعامل مع الأمور والمشاكل الحياتيّة بشكل واع وواقعي، ما يساعد على تجنّب المشاكل وتخطيها بشكل مناسب ومفيد لنا وللآخرين".

ولكنّ ذلك قد لا ينطبق علينا في حالة الحبّ بحسب ما أوضحت المعالجة النفسية، مؤكّدةً أنّ الأمر يختلف أحياناً، كما أنّ هناك قولاً شائعاً يتناقله الناس وهو: "الحبّ أعمى" يؤكّد عدم وجود مكان للمنطق في معادلة الحبّ، "وفي هذه الحالة يكون الشخص معجباً جداً بشريكه ويصبح كأنّه أعمى في بصيرته، ما يؤثّر على المنطق والتفكير السليم لديه في بعض الحالات التي تتطلّب وعياً وحكماً منطقياً على الأمور".

... ودرجة الانحياز أيضاً

وتابعت بو أنطون حديثها مشيرةً الى أنّ "درجة الانحياز الى الشريك تختلف باختلاف درجة الحبّ والعاطفة التي يكنّها المحبّ للحبيب، وباختلاف المنطق السليم والوعي الذي يملكه الشخص بالأساس في حياته"، مفرّقةً بين درجتين من الانحياز:

1 - فإذا كان الانسان ناضجاً وواعياً ومنطقياً قد يتأثر بشريكه وينحاز إليه، ولكن من دون أن يفقده الحب وعيه أو يؤثر في حكمه الصائب.

2 - أما إذا كانت القدرة على الحكم المنطقي والوعي والادراك بالأساس غير كافية لدى المحب ووقع في الحبّ، فإنّ العاطفة ستسيطر على العقل وتتّخذ القرارات منحىً عاطفياً يتّسم بالتحيّز للشريك بغضّ النظر عن أخطائه. وقد حذّرت بو أنطون من هذا النوع من التصرّف الذي يؤثّر في العلاقة بين الشريكين، "فإذا كان أحد الشريكين لا يفكّر بمنطق بمشكلةٍ ما حصلت بينه وبين حبيبه، فقد يظن الشريك المخطئ أنّه دائماً على حقّ ما يجعله يشعر بنوع من التسلّط على الاخ، وفي الوقت ذاته يكون الشريك الآخر في مكانة المحبّ التابع لحبيبه من دون أن يقف للحظة ويسأل نفسه أو شريكه عمّا هو صحيح ام خطأ في علاقتهما أو في أيّ موقف حياتي آخر".

المنطق يتماشى مع الحبّ

وفي الحبّ، ثمّة إشكالية أخرى تُطرح، حيث يقال بأنّ المرأة المنطقية والعقلانية لا يمكن أن تعرف الحبّ وطعمه الحقيقي لأنّ منطقها وعقلها يتحكّمان بمشاعرها ويمنعانها من ذلك، فهل ذلك صحيح؟

"لا يختلف المنطق مع الشعور بالحب، ويمكن للمرأة أن تكون عقلانيّة وأن تبدي مشاعر الاهتمام والعاطفة والحب لشريكها"، تردّ بو أنطون على هذا السؤال مشيرةً الى أنّه "في هذه الحالة، تكون المرأة قادرة على التعاطي مع المشاكل بينها وبين الشريك بشكل منطقي فتبتعد عن القرارات الهوائيّة والعاطفيّة وغير المبنيّة على المنطق".

التنازل... بحدود

"عندما يعشق القلب يتوقّف المنطق عن التفكير ويقدّم العقل تنازلات لا يرضاها في الحالة الطبيعية"، عبارة نسمعها تتناقل على شفاه الكثيرين ممن عرفوا الحبّ، وممن لم يعرفوه منتقدين قضيّة التنازلات التي يقدّمها أحد الشريكين أم كلاهما لإنجاح علاقتهما. فهل يجوز تقديم التنازلات؟ وما هي حدودها؟

"الاحترام، ومعرفة الآخر وقبوله، والعطاء المتبادل... هي من المبادئ الأساسية التي يُبنى عليها الحبّ، وعيش هذه المبادئ وتنفيذها في خضم العلاقة العاطفية ليس بالامر السهل نظراً للمشاكل التي تواجه الشريكين، فلكل شخص أخطاؤه وقدرته الخاصّة على العطاء والتحمّل"، تتابع الاختصاصية النفسية حديثها مؤكّدةً أنّ "العلاقات الانسانية ليست كاملة، فما من إنسان معصوم عن الخطأ، ومعرفة هذا الأمر وقبوله يعني أنّنا واقعيّون وقادرون على التأقلم مع الواقع".

ومن هنا، ختمت بو أنطون حديثها داعيةً الحبيبين الى تقديم بعض التنازلات لتسهيل الامور وأحوال العلاقة بينهما "فإنّ التنازل عن بعض الأمور لتسهيل العلاقة مع الآخر أمر مهمّ في العلاقة، بشرط أن لا يكون هذا التنازل على حساب احترامنا لذاتنا والقيم التي نؤمن بها، وألّا يجعل منّا التنازل أشخاصاً تعساء ومظلومين في العلاقة مع الآخر.

فمن المهمّ أن نحافظ على مكاننا وقيمتنا لذاتنا في العلاقة وأن يكون هذا الأمر متبادلاً بين الشريكين، فيشعر كلّ واحد بالتساوي من ناحية التعاطي مع الآخر وبالعدل والحبّ المتبادل الذي يؤدّي الى الانفتاح على الآخروالشعور بالسعادة".
theme::common.loader_icon