الأب وإبنته: ما سرّ العلاقة بينهما؟
الأب وإبنته: ما سرّ العلاقة بينهما؟
اخبار مباشرة
اليسار حبيب
جريدة الجمهورية
Tuesday, 23-Jul-2013 00:03
لطالما سعى الباحثون الى إكتشاف سرّ العلاقة الجدليّة التي تجمع بين الأب وإبنته، هذه العلاقة اللغز التي تبدأ بحب عارم بينهما، لتمرّ في مرحلة من الفتور والتوتر فتعود وتقوى مجدداً. فما هي المراحل التي تمرّ بها هذه العلاقة إذاً؟
بين الأب وإبنته علاقة يحكمها كمّ هائل من الألغاز، فتارةً نجدها تعشقه وتارةً أخرى تكره تصرّفاته وتعليقاته وتتمنّى لو أنّه لم يكن أباها، علاقة تتبدّل وتخضع الى الكثير من التقلّبات لترسو أخيراً على برّ الامان.

إليك أبرز المراحل التي تمرّ بها علاقة الأب بإبنته والتقلّبات العاطفية الناجمة عنها، وأبرز النصائح للتعامل مع الابنة في مختلف هذه المراحل:

1 - الطفولة: مرحلة الحبّ والاعجاب

منذ ولادتها، تعيش الفتاة وتكبر في جوّ أنثوي، فتكون محاطة بالممرضات وغيرهنّ من النساء المطّلعات على مبدأ الولادة وكيفية الاهتمام بالطفل، وعندما تكبر وتصبح أمّاً بدورها وتدخل غرفة الولادة فإنّ النساء هنّ اللواتي يهتممن بها ويحطنها بحبهنّ ودعمهنّ.

تفتح الفتاة عينيها على الحياة لتجد حولها نساء من كلّ الجهات، نساء كثيرات لكلّ منهنّ دورها الخاص، ولا ترى إلّا رجلاً واحداً: الأب، فيكون الرجل الاوّل في حياتها وهذا ما يبرّر عشقها له.

عقدة أوديب

في عمر الثلاث سنوات تطور الفتاة في نفسها "عقدة أوديب"، التي تتجلّى بحبّها غير المحدود لأبيها، فتلجأ الى إتباع كلّ الوسائل المتاحة لتغري الأب وتوقع به بهدف إغاظة أمّها وإحتلال مكانتها.

وفي هذا الاطار ينصح علماء النفس الأم بعدم الردّ على تصرّفات إبنتها وإستفزازاتها لها، ففي هذه المرحلة لا تكون الفتاة واعية كما يقال لتصرّفاتها، أماّ بالنسبة الى الرجل فعليه عدم تفويت أيّ فرصة ليجعل إمرأته -التي تعاني من ضغوطات الحمل والولادة والتربية- محطّ الاهتمام.

الأب... البطل

كلّما إزدادت لقاءات الأب بإبنته كلّما زاد تعلّقها وإعجابها به، وكلّما زاد تقديرها له بحيث يصبح بطلها وحبيبها والرجل الأوّل والوحيد في حياتها، فـ"أبي هو أفضل رجل في العالم" ولا شيء يمكنه أن يزعزع هذه الفكرة.

ولكن بما أنّ المشاعر التي تكنّها الابنة لأبيها تكون قربية من مشاعر الحبّ والغرام، فبالتالي على الأب أن يفرض بعض الحواجز ويضع حدوداً بينهما حتّى ولو حزنت الفتاة المدلّلة، عبر إطلاعها بأنّه لا يجوز أن يتزوّجا لأنّه مغرَم بوالدتها ومرتبط بها... ومع الوقت ستكتشف الفتاة بأنّها تحبّ والدها ولكنّها ليست مغرمة به وستخمد مشاعرها في فترة المراهقة.

... والمربّي أيضاً

وفي مرحلة الطفولة، يلعب الأب دوراً بارزاً في تكوين شخصية إبنته إذ إنه يعلّمها كيف تكتسب ثقة بنفسها، وكيف تواجه الآخرين والمجتمع "لأنّ الفتاة تبني شخصيتها وتنمو وتتطور بحسب نظرة والدها لها"، وبالتالي عليه أن يشجّعها ويساندها في قراراتها وخياراتها المختلفة.

غياب الأب عن منزله ومراحل تطوّر إبنته، أو على العكس وجوده الدائم بجانبها، يؤثّر بشكل كبير على حياتها المستقبلية. فمشاكل في التعاطي مع الرجال، وعدم الثقة بهم وبذاتها، بالاضافة الى مشاكل في العمل كلّها نتائج عدم مقدرة الأب على فهم حاجات إبنته.

2 - المراهقة: مرحلة البعد والجفاف

وعندما تبلغ الفتاة مرحلة المراهقة فإنّ إعجابها بأبيها يستمرّ معها ويصبح خطيراً في حال لم يوضح الامور عبر فرض الحواجز ووضع حدّ لتهيؤاتها وأحلامها. ولتفادي خطر نشوء علاقة غير صحية وغير سليمة بينهما، عليه أن يتجنّب إستخدام تعابير كـ"حبيبتي"، و"حياتي"... لدى مناداتها، وغيرها من الكلمات التي تجعل الفتاة ترتبك في علاقتها بوالدها. فما أن يحصل هذا الشرخ بينهما حتّى تتمكّن الفتاة من إستيعاب حقيقة الوضع والنموّ بشكل سليم.

تبدّل الاولويات

كلّما نمت المراهقة وإكتشفت هويّتها أكثر، كلّما تبدّلت أولوياتها وتغيّرت، بحيث لا يعود الأب هو البطل بنظرها وإنّما ينافسه على المرتبة هذه مشاهير السينما والموسيقى.

ويشير علماء النفس الى أنّ "علاقة الأب بالامّ هي التي تؤثّر بشكل كبير على علاقات الفتاة المراهقة العاطفية. فإذا شهدت المراهقة في مراحل حياتها المختلفة على قصص عشق والديها والمشاعر الجميلة التي يكنّانها لبعضهما فإنّها ستحاول أن تعيش التجربة ذاتها، وهذا ما يكسبها مزيداً من الثقة بصورتها كإمرأة تجعلها تحسن إختيار الشريك الذي يناسبها وينسجم مع تطلّعاتها.

... والتصرّفات أيضاً

المراهقة هي أيضاً المرحلة التي تتطوّر فيها الفتاة الصغيرة لتصبح "مشروع" إمرأة ناضجة، فتقضي مزيداً من الوقت تستحمّ وتضع الماكياج، كما تبحث عن هويّتها الخاصّة والمستقلّة في ما يخصّ ملابسها وشكلها الخارجي... وفي هذه الفترة تبتعد أكثر فأكثر عن أبيها وتتجنّب الدخول الى غرفته من دون أن تطرق على الباب.

والمراهقة هي مرحلة صعبة على الاب أيضاً، ينجم عنها سلسلة من "الصدمات" وخيبات الأمل، فبعد أن يكون قد إعتاد على قرب إبنته منه فإنّه من الصعب عليه أن يتقبّل بُعدها عنه والمسافة التي تخلقها بينهما. ومن هنا ينصحه الاختصاصيون بتقبّل حقيقة أنّه لم يعد الرجل الوحيد في حياة إبنته. إن إبتعاد الفتاة عن أبيها في هذه المرحلة، يجعلها تقيّم سلوكه في المجتمع نظراً الى سلوكه تجاه والدتها، فتصبح أمّها مرجعها الاوّل وعلى أساس علاقة والديها ببعضهما تحكم عليهما.

3 - مرحلة النضوج: عندما تصبح الابنة أمّاً

بعد مرحلة المراهقة، وإبتعاد الابنة عن أبيها الذي لم يعد الرجل الوحيد في حياتها، وبعد أن تحصل على حبيب وتترك المنزل طلباً للعلم أو العمل مثلاً، وبعد ان تبلغ مرحلة النضوج فإنّ سلسلة جديدة من التحدّيات تلقي بثقلها على الأب. فعندما تخطط الابنة للزواج -ورغم فرحته الكبيرة- يحزن الأب فهذه المرّة إقتنع فعلياً بأنّها إستبدلته برجل آخر وبطل آخر، أمّا الصدمة الفعلية فتكمن عندما تتحضّر لاستقبال مولودها، فتصبح هي أمّاً ويصبح هو الجدّ.

هل تكفي 9 أشهر؟

الاب الذي يتلقّى خبر حمل إبنته يدخل في حالة من الصدمة، وذلك على رغم فرحه بهذا الخبر السار، ولكنّ 9 أشهر تكون كفيلة بجعله يتقبّل الوضع ويتهيّأ لمنصبه الجديد أي منصب الجدّ. ولكنّ هذا المنصب، يحزنه ليس لأنّ إبنته ستهتمّ بطفلها وتنسى والدها، وإنّما لأنّه سيشعر بأنّه تقدّم في السنّ ولم يعد شاباً كما كان عندما كانت لا تزال إبنته طفلة صغيرة تمرح بين ذراعيه. والامومة هي أيضاً المرحلة التي تقارن فيها الإبنة بين نموذجين من الآباء: أبوها وأب إبنها أي زوجها.

ولكن ما أن يتخطّى الأب-الجدّ صدمته، حتّى يعود الى "رشده" ويحوّل عاطفته نحو المولود الجديد ويتخيّل الاوقات المرحة التي سيقضيها برفقته والألاعيب التي سيعلّمه إيّاها. وهنا مرحلة جديدة من العلاقات تخلق بين الأب وإبنته وتصبح أكثر متانة، ويحين وقت "المصالحات" بينهما بعد فترة من القطيعة و الاهمال أو حتّى الخلافات: فتلجأ الامّ الجديدة الى إستشارة والدها والاخذ بنصيحته.
theme::common.loader_icon