الزوج المُعنَّف... العنف الصامت داخل الأسرة
الزوج المُعنَّف... العنف الصامت داخل الأسرة
آية يوسف المسلماني
Saturday, 20-Dec-2025 06:31

لا يزال العنف الأسري محصوراً في الوعي العام ضمن صورة نمطية واحدة، تُختزَل فيها الضحية غالباً بالمرأة، فيما يُغفَل الحديث عن أشكال أخرى من العنف تُمارس داخل الأسرة، تطال الرجل زوجاً كان أو أباً، في صمتٍ طويل فرضته الأعراف الاجتماعية، ورسّخته مفاهيم خاطئة عن القوة والرجولة والتحمّل.

فالزوج المُعنَّف ليس حالة استثنائية أو طارئة، بل واقع قائم تُخفيه ثقافة الإنكار، وتُبقيه خارج النقاش العام.
الزوج المُعنَّف هو ذاك الذي يتعرّض داخل إطار العلاقة الزوجية، إلى ممارسات تمُسّ كرامته أو تُزعزِع استقراره النفسي والاجتماعي، من دون أن يجد مساحة آمنة للإعتراف أو الشكوى. وغالباً ما يُطلب منه الصبر، يُلام، أو يُدفع إلى التكيّف مع الأذى بدل مواجهته، لأنّ الإعتراف بتعرّضه إلى العنف يُعَدّ، في نظر المجتمع، مساساً بصورته ودوره المفترض.
العنف الذي يطال الزوج لا يقتصر على الإيذاء الجسدي، بل يتخذ أشكالاً متعدِّدة وأكثر تعقيداً. فالعنف النفسي يُمارس عبر التقليل المستمر من الشأن، الإهانة، السخرية، التهديد، أو تحميل الرجل مسؤولية كل توتّر أو إخفاق داخل الأسرة.
ومع الوقت، يتحوّل هذا النمط إلى استنزاف داخلي صامت، ينعكس فقداناً للثقة بالنفس، وشعوراً دائماً بالذنب، وقد يقود إلى العزلة أو الاكتئاب.
ويبرز العنف اللفظي كأحد أكثر الأشكال شيوعاً، إذ تُستخدم الكلمات الجارحة، الصراخ، والتحقير العلني أو الخفِي، أحياناً أمام الأبناء أو المحيط الاجتماعي. وعلى رغم من خطورة هذا العنف، إلّا أنّه غالباً ما يُبرَّر أو يُستخف به، كَونه لا يترُك أثراً مرئياً، بينما يترُك جراحاً نفسية عميقة وطويلة الأمد.
أمّا العنف الإقتصادي، فيتمثل في السيطرة على الموارد المالية، استغلال الزوج مادياً، استخدام المال كوسيلة ضغط وإذلال، أو تحميله أعباء تفوق قدرته بقصد التحكُّم أو العقاب. وفي مجتمعات تربط قيمة الرجل بقدرته على الإعالة، يُصبح هذا النوع من العنف ضربة مباشرة لصورته الذاتية واستقراره النفسي.
ولا يقتصر العنف داخل الأسرة على العلاقة الزوجية فقط، إذ يتعرّض بعض الآباء أيضاً إلى العنف النفسي واللفظي من أبنائهم، في ظل تراجع منظومة الإحترام المتبادل داخل بعض البيوت، أو نتيجة أنماط تربوية مختلّة.
يتجلّى هذا العنف في التمرُّد المُهين، الإهانات، التهديد، أو تحميل الأب مسؤولية كل إخفاق، ما يضعه في موقع هشّ داخل أسرته، ويُعمّق شعوره بالفشل والعجز، خصوصاً حين يُحرم من أي دعم أو تفهّم.
كما يظهر العنف الاجتماعي عبر تشويه السمعة داخل العائلة أو المحيط، أو التحريض ضدّ الزوج، أو عزله عن أصدقائه وأقاربه، بما يحرمه من شبكة الأمان الاجتماعي، ويجعله في مواجهة دائمة مع صورته أمام الآخرين. وفي بعض الحالات، يُستخدَم الأبناء أنفسهم أداة ضغط نفسي، وهو من أخطر أشكال العنف غير المباشر.
صمت الزوج أو الأب المُعنَّف لا يعني غياب الألم، بل يعكس خوفاً من الوصم، ومن فقدان الأسرة، ومن نظرة مجتمع لا يعترف بالرجل كضحية. كما يعكس قصوراً في الخطاب الإعلامي والقانوني الذي لا يزال متردِّداً في مقاربة هذه الحالات بجدّية وإنصاف.
إنّ مواجهة هذه الظاهرة تبدأ بالإعتراف بها، وبإعادة تعريف العنف الأسري بوصفه سلوكاً مداناً يمُسّ الإنسان، لا جنس الضحية. كما تتطلّب توفير مساحات آمنة للدعم النفسي والقانوني، وتعزيز خطاب إعلامي مسؤول يفتح النقاش من دون تهوين أو تحريض، ويُعيد بناء العلاقات الأسرية على أسس الاحترام والكرامة المتبادلة.
فالعنف، أيّاً كان مصدره، يبقى خللاً أخلاقياً وإنسانياً، والصمت عنه لا يحمي الأسرة، بل يراكم هشاشتها.

theme::common.loader_icon