الثنائيات الطائفية
الثنائيات الطائفية
جوزف الهاشم
Friday, 19-Dec-2025 08:15

لقاءٌ خيَّّمَ عليهِ الوضوحُ والوِدّ، جمعَني الأسبوع الماضي بالعلّامة الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في مقرّ المجلس في الحازمية، وبالعلّامة الصديق السيّد صادق الموسوي صاحب كتاب «تمام نهج البلاغة» الذي كان لي شرف المساهمة في كتابَةِ مقدّمة لهُ، وهو الكتاب الذي قدّمه سماحة الشيخ الخطيب إلى قداسة البابا لاوون الرابع عشر خلال زيارته لبنان.

 

الحديث في رحاب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، يستوحي الكثير من ظلال الإمامَين: موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين، اللذَين كان لهما فضلٌ في ترسيم حدود المعاني الوطنية والوحدوية إلى آفاقها الساميات.

 

الحوار الذي دار بيننا يمكن اختصاره بالتصريح الذي أدلى به سماحة الشيخ الخطيب بعد اللقاء، وقد جاء فيه ما يأتي: «دعا نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب إلى بناء دولة وطنية موحّدة بعيداً من الثنائيات الطائفية، واقترح الدعوة إلى لقاء وطني موسّع لدرس السبل الآيلة إلى حماية لبنان، وكان العلّامة الخطيب يتحدّث خلال لقائه الوزير السابق جوزف الهاشم والعلاّمة السيد صادق الموسوي، وقال: «إننا لا نؤمن بدولة طائفية لا في لبنان ولا في العالم العربي والإسلامي، وهذه هي عقيدتنا، والمجلس الشيعي الأعلى معنيٌّ بالمسيحيِّين كما هو معنيٌّ بالمسلمين والشيعة».

 

هذا كلامٌ ينطلق من الأسس التي قام عليها سلامُ لبنان «الذي هو أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل» كما يقول الإمام موسى الصدر.

 

وكلما اختلَّت مقاييس الممارسة السياسية في لبنان عن محتوى هذا الكلام كان في لبنان حربٌ وفوضى وانقسام.

 

الثنائية الطائفية التي يعنيها الشيخ الخطيب، تشْطر «الأنا «عن «الأنت» وتجعل من «الأنت أنا»، ومن خلال محاربة الآخر ينعكس التنافس الثنائي على محاربة الذات، وفي إطار ثنائيةٍ طائفيةٍ مضادة تصبح الطوائف منكمشةً على ذاتها بقشعريرةِ رفض، في ظلِّ حرب حامية حيناً وباردة حيناً آخر.

 

لماذا لا تكون هناك ثنائية بين المجلس الشيعي الأعلى والبطريركية المارونية لتتحوَّل إلى ثلاثية سنّية ورباعية درزية، تنخرط كلها في كنف الدولة وطنياً مع الإحتفاظ باختلاف الآراء سياسياً.

 

فلا تعود المفاهيم الوطنية متناقضة ولا يعود السلاح يشكّل تعارضاً بين شرعية الدولة وشريعة المقاومة.

 

ولأنّ المواجهة العسكرية محرّمة بين الجيش والمقاومة بالنسبة إلى حصرية السلاح، فهل على الدولة مثلاً أنْ تتخلَّى هي عن قرارها كمثل ما تخلَّى الفيلسوف والفلكي الإيطالي «غاليلو غاليلى» عن حقيقة قراره عندما أعلن أنّ الأرض تدور حول الشمس، فقامت قيامة أهل الأرض عليه، فاضطر تحت وطأة الوعيد والترهيب أن يتنازل عن هذه الحقيقة ويكذِّب نفسَهُ.

 

الدولة تكذّبُ نفسَها عندما تتخلَى عن حقيقة دوران الأرض حول الشمس.

والمقاومة تكذّبُ نفسَها عندما تعلن: «لا خطرَ على المستوطنات الإسرائيلية الشمالية».

ذكرت جريدة الشرق الأوسط - 26 تشرين الثاني الماضي - «أنّ حركة حماس تدرس التحوُّل إلى حزب سياسي».

 

ليتها تفعل لتخرج من أنفاق تحت الأرض إلى سطح الأرض، فترى كيف كانت غزّة قبل طوفان الأقصى، وكيف أصبحت غزة قطاعَ أشباح ومدينة أموات.

ومع هذا، هل يصح أن يكرِّر الشاعرُ قولَهُ: «إنّ التشبُّهَ بالكرامِ فَلاحُ»؟

theme::common.loader_icon