على مدى عقود، شكّلت الدهون المشبّعة أحد أكثر عناصر الغذاء إثارة للجدل. فقد أجمع خبراء التغذية والهيئات الصحية منذ منتصف القرن الماضي، على التحذير من الإفراط في تناولها، معتبرين أنّها ترفع مستويات الكوليسترول الضار في الدم، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
صدارة قائمة «المتهمّين»
اللحوم الحمراء، الزبدة، الأجبان كاملة الدسم، والأطعمة المقلية، كانت دائماً في صدارة قائمة «المتهمّين». لكن هذا الإجماع التاريخي بدأ يهتز أخّراً، بعد تصريحات أدلى بها روبرت كينيدي، وزير الصحة الأميركي، أشار فيها إلى أنّ الإرشادات الغذائية المقبلة قد «تُشدَّد على ضرورة تناول الدهون المشبّعة»، معتبراً أنّ هذه الدهون تعرّضت إلى «تشويه غير عادل»، وأنّ الأدلة العلمية ضدّها غير حاسمة. هذا التحوّل المحتمل أثار تساؤلات واسعة: هل أخطأنا فعلاً في تقييم الدهون المشبّعة طوال هذه السنوات؟
من الناحية العلمية، تُقسَّم الدهون إلى نوعَين أساسيَّين: دهون مشبّعة، تكون غالباً صلبة في درجة حرارة الغرفة، وتوجد بكثرة في المنتجات الحيوانية وبعض الزيوت (زيت جوز الهند وزيت النخيل)؛ ودهون غير مشبّعة، تكون سائلة عادة، وتوجد في الأسماك، الأفوكادو، المكسرات، البذور، والزيوت النباتية كزيت الزيتون وفول الصويا.
الأبحاث المتراكمة منذ خمسينات القرن الماضي تميل بوضوح إلى جانب تقليل الدهون المشبّعة. فقد أظهرت تجارب سريرية مبكرة أنّ استبدالها بالدهون غير المشبّعة يؤدّي إلى خفض الكوليسترول في الدم.
ومع مرور العقود، أكّدت عشرات الدراسات القصيرة والطويلة الأمد، أنّ زيادة استهلاك الدهون المشبّعة ترفع مستويات الكوليسترول الضار (LDL)، ما يزيد خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية. كما ربطت دراسات رصدية واسعة بين تقليل الدهون المشبعة وزيادة الدهون غير المشبّعة من جهة، وانخفاض معدّلات أمراض القلب والوفيات المبكرة من جهة أخرى.
ليست متساوية في الضرر
وعلى رغم من أنّ بعض المؤثرين الصحيين يُروّجون لفكرة أنّ الإنسان «تطوّر» على أكل اللحوم والدهون الحيوانية، وأنّ الزيوت النباتية الحديثة أضرّت بصحتنا، فإنّ غالبية العلماء ترفض هذا الطرح. بل يُشير خبراء بارزون إلى أنّ التحوّل نحو الدهون غير المشبّعة كان عاملاً أساسياً في انخفاض وفيات أمراض القلب بنحو 75% منذ الخمسينات.
مع ذلك، يلفت بعض الباحثين إلى أنّ مصادر الدهون المشبّعة ليست متساوية في الضرر. فمنتجات الألبان الكاملة مثل اللبن والجبن لا ترتبط دائماً بنتائج صحية سلبية واضحة، بينما تُعدّ اللحوم المصنّعة والأطعمة فائقة التصنيع، الغنية أيضاً بالدهون المشبعة، مرتبطة بشكل واضح بمخاطر صحية أكبر.
الخلاصة التي يتفق عليها معظم الخبراء بسيطة: لا توجد فائدة صحية مثبتة لزيادة استهلاك الدهون المشبّعة. الأفضل هو التركيز على استبدالها بدهون غير مشبّعة، مع تبنّي نمط غذائي غني بالخضار، الفواكه، الحبوب الكاملة، البقوليات، الأسماك، والزيوت النباتية. عندها، ستنخفض الدهون المشبّعة تلقائياً من دون حسابات معقّدة، وسيكون القلب أول المستفيدين.