الراعي يذكر بكلام البابا: لبنان قادر على النهوض والسلام يولد من الرحمة
الراعي يذكر بكلام البابا: لبنان قادر على النهوض والسلام يولد من الرحمة
Sunday, 14-Dec-2025 11:58

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد لمناسبة "يوبيل السجين" في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه النائب البطريركي المطران حنا علوان، رئيس اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام " المطران مارون العمار، أمين سر البطريرك الأب كميليو مخايل، أمين سر البطريركية الأب فادي تابت، مرشد عام المرشدية العامة للسجون الخوري جان موره، ومشاركة لفيف من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور ممثلين عن وزيري الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية، المرشدية العامة للسجون في لبنان، اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام" وحشد من الفاعليات السياسية والنقابية والاعلامية والحزبية والمؤمنين.

 

بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "يا يوسف بن داوود لا تخف" قال خلالها: "لا يزال واقع السجون في لبنان في حالة من الإزدراء والسوء، ولا يمكن أبدًا اعتبارها مراكز إصلاح كما تحدّدها شرعة حقوق الإنسان وهي في ازدياد وتفاقم دائم من شهر الى آخر لأسباب عدة أبرزها: غياب الدولة عن الإهتمام بوضع السجون والنزلاء، والإكتظاظ المتزايد، وعدم سير المحاكم بشكل مستمر، ونقص كلّي بمواد التغذية وأدوات النظافة، والأدوية وغيرها من الحاجات الأساسية، وعدم القدرة على تأمين التمويل اللازم والضروري لتغطية بعض هذه الخدمات المطلوبة والضرورية وغيرها لتسهيل عمل المرشدية".

 

أضاف: "مع اقترابنا من عيد الميلاد، نرحّب بكم جميعًا، أنتم المؤمنين المشاركين في هذه الذبيحة الإلهية. نلتقي اليوم حول كلمة الله والمذبح المقدّس، فيما كلّ واحد منّا يحمل شيئًا من حيرة يوسف، من خوفه، من انتظاره. لكننا نلتقي أيضًا حول الوعد نفسه: «لا تخف». فليكن هذا اللقاء زمنَ نعمةٍ، وتجديدَ ثقةٍ، واستعدادًا حقيقيًّا لاستقبال الربّ الآتي في بساطة وصمت. ليتورجيًا، يضعنا هذا الإنجيل في عمق زمن المجيء، زمن الميلاد. إنّه زمن الإصغاء، لا زمن الضجيج؛ زمن الطاعة، لا زمن الاستعراض. يوسف لم يتكلّم، بل عمل. «فلمّا استيقظ من النوم، صنع كما أمره ملاك الرب» (متى 1: 24). هذه الجملة تختصر الليتورجيا كلّها: الإصغاء يولّد الطاعة، والطاعة تخلق الخلاص. الكنيسة اليوم لا تضع يوسف في الواجهة، بل في القلب، لأنّه صورة المؤمن الذي يجعل من حياته مكانًا يُنفّذ فيه كلام الله. الليتورجيا تعلّمنا أن نقول مع يوسف "نعم" بالفعل، لا بالشعارات، وأن نسمح لله أن يعمل في حياتنا حتى عندما لا نرى الصورة كاملة. من هذا الإنجيل، ننتقل إلى واقعنا الوطني. لبنان اليوم يشبه يوسف: متعب، حائر، مثقل بالأسئلة، وبحاجة إلى كلمة تطمئنه. إنجيل البيان ليوسف يمكن أن يُقرأ كبيان وطني أخلاقي: لا خلاص بلا ثقة، ولا مستقبل بلا طاعة للقيم، ولا سلام بلا شجاعة الرحمة. يوسف اختار عدم الفضيحة، وعدم المواجهة العمياء، واختار أن يحمي الإنسان قبل أن يدافع عن حقّه. هذا هو الدرس الوطني الكبير. إنجيل يوسف يدعونا اليوم إلى إعادة بناء الوطن، باحترام الشرعية، وصون الإنسان، وتغليب الحوار على الصدام، وحماية الكيان بدل استنزافه. وكما أدخل يوسف يسوع في تاريخ البشر عبر الشرعية، نحن مدعوون اليوم إلى إدخال وطننا في مسار خلاص جديد: مؤسسات تُحترم، قوانين تُطبَّق، مسؤولية تُمارَس، وضمير حيّ لا يخاف. السلام ليس حلمًا شعريًّا، بل ثمرة قرار شجاع، تمامًا كما كانت طاعة يوسف قرارًا صامتًا غيّر وجه التاريخ".

 

وختم الراعي: "بعد زيارة قداسة البابا إلى لبنان، وما قاله لاحقًا من روما، عاد التأكيد الواضح: أنّ السلام ممكن. لم يكن كلامًا عابرًا، بل موقفًا روحيًا وأخلاقيًا. شدّد قداسة البابا على أن الحروب لا تصنع مستقبلًا، وأن اليأس ليس قدر الشعوب، وأن لبنان، رغم جراحه، قادر على النهوض إذا عاد إلى رسالته. السلام لا يولد من القوّة، بل من الرحمة، فالرحمة تفتح باب المصالحة من جديد، والمصالحة تصنع الغد. هذه الكلمات ليست سياسية فحسب، بل إنجيلية بامتياز. لنصلِّ، أيها الإخوة والأخوات، كي يمنحنا الله قلبًا مثل قلب يوسف: قلبًا شجاعًا لا يخاف، وحكمة تميّز، وطاعة صادقة. نصلّي من أجل وطننا لبنان، لكي يتحوّل خوفه إلى رجاء، وانقسامه إلى مصالحة، وجراحه إلى بداية جديدة. ونصلّي من أجل كلّ إنسان قلق أو حائر، ليجد السلام الذي يفوق كل سلام يقدمه العالم. فنرفع المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

theme::common.loader_icon