معسكرات «داعش» مشكلة خطيرة لقادة سوريا
معسكرات «داعش» مشكلة خطيرة لقادة سوريا
أليسا ج. روبين- نيويورك تايمز
Thursday, 11-Dec-2025 06:39

تتمدّد السهول القاحلة في شمال شرقي سوريا بلا انقطاع تقريباً حتى الحدود العراقية، ولا يقطع هذا الفراغ سوى بعض آبار النفط المتناثرة، إلى أن يصل الطريق إلى مخيَّم سجون مترامي الأطراف. يُطوّق سياج معدني تعلوه أسلاك شائكة المجمّع، وتصطف شاحنات الإمداد على الطريق لأكثر من نصف ميل خارج بوابات مخيّم الاحتجاز الهول، حيث يشكّل معظم المحتجزين أفراد عائلات (زوجات، أخوات، أطفال) مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». أمّا أكثر من 8,000 مقاتل من التنظيم أنفسهم، فهم محتجزون في سجون قريبة.

لسنوات، حَكَم «داعش» أجزاء واسعة من سوريا والعراق المجاور، فارضاً تفسيره الصارم للشريعة الإسلامية بوحشية. وبينما كانت القوات السورية الكردية، بدعم من الولايات المتحدة، تقاتل لاستعادة تلك الأراضي، اعتقلت آلاف المقاتلين من التنظيم وعشرات الآلاف من أفراد عائلاتهم.
فوّضت القوات الأميركية حلفاءها الأكراد السوريِّين بحراسة معتقلي «داعش» وعائلاتهم. لكن الآن، ومع سحب البنتاغون لقواته من سوريا، تبرز مؤشرات إلى رغبة المسؤولين الأميركيِّين في أن تتولّى الحكومة السورية الجديدة مسؤولية السجون ومخيّمات الاحتجاز.
يُشكّل ذلك جزءاً من جهود حكومية أكبر لدمج الميليشيا القوية التي يقودها الأكراد، والمعروفة بـ»قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، في الجيش السوري الذي يُعاد تشكيله، في إطار محاولة لإعادة توحيد البلاد بعد حرب أهلية استمرّت 13 عاماً.
إحدى العقبات أمام هذا المشروع هي أنّ العديد من الأكراد لا يثقون بالحكومة ولا بالتزامها بمحاربة «داعش». فالحكومة الحالية يقودها إسلاميّون كانوا سابقاً من مقاتلي المعارضة المرتبطين بتنظيم القاعدة، ويخشى الكثير من الأكراد أن يُفرج هؤلاء عن بعض عناصر «داعش».
مع ذلك، حافظت الحكومة حتى الآن على موقف علني صارم ضدّ التنظيم. ووافقت سوريا، في تشرين الثاني، على الإنضمام إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة لمحاربته، إذ لا يزال التنظيم نشطاً في البلاد.
وبحسب تقييمات للأمم المتحدة ومسؤولين أميركيِّين، وسّع «داعش» نطاق هجماته خلال العام الماضي وزاد من وتيرتها ووحشيّتها، بعد سنوات من تنفيذ عمليات صغيرة تستهدف أساساً قوات يقودها الأكراد في شمال شرقي سوريا. واستهدف التنظيم كنيسة يونانية أرثوذكسية في دمشق، ونفّذ تفجيرات ضدّ قوات الحكومة السورية.
يؤكّد مسؤولو المخيّم أنّ عناصر من «داعش» لا يزالون موجودين في الداخل، ويُركّزون على تجنيد الأطفال هناك.
عندما زرتُ مخيّم الهول هذا العام، كان الأطفال يتجوّلون في مجموعات داخل المساحة المسيّجة. كان الصغار يتشبّثون بعباءات أمّهاتهم السود الطويلة. بعض النساء كنّ يسرعن بأطفالهنّ بعيداً من الزوار الأجانب، وهنّ يتمتمْن بكلمة «كافر». بعض النساء تجنّبن الحديث مع الأجانب، في حين التفّت أخريات حولي متوسّلات أن يُسمع صوتهنّ.
بالنسبة إلى كثير من القاطنين في المخيّم، لم يعُد يهمّ مَن يكون الحاكم. ويضمّ مخيّما الهول وروج أكثر من 27,000 فرد من عائلات مقاتلي «داعش»، بحسب المشرفين عليهما. ولم تُوَجّه لأي منهم تُهَم جنائية. وتقع هذه المخيّمات في منطقة شمال شرقي تخضع لسيطرة الأكراد وتأمين قوات (قسد). ويحذّر المشرفون من أنّ جيلاً جديداً ينشأ هناك على أفكار متطرّفة تتبنّاها الأمّهات وفق عقيدة «داعش».
أوضحت حكمية إبراهيم، مديرة مخيّم روج، في مقابلة: «كل النساء هنا متطرّفات. جميعهنّ بقين مع تنظيم الدولة حتى النهاية. لكنّ المشكلة الأكبر هي أنّ الأمهات يربّين أبناءهنّ على أيديولوجيا التنظيم».
ويبلغ نحو 60% من سكّان المخيّمَين تحت سن 18، وفقاً للمشرفين. وقد أمضى معظم هؤلاء الأطفال سنوات في مكان تسوده أيديولوجيا «داعش». أمّا الأكثر تطرّفاً بين محتجزي الهول، فهم غالباً من دول خارج الشرق الأوسط، مثل طاجيكستان، أذربيجان، فرنسا وروسيا. ويشملون حوالى 6,000 امرأة وطفل يعيشون في قسم منفصل داخل المخيّم يُعتبر خطيراً للغاية ورُفع عنه السماح بالزيارة، وفقاً لحنان.
ظروف العيش في كلا المخيمَين قاسية. السكان يعانون من السخط والعنف وسوء الصحة. تُهرَّب الأسلحة باستمرار، وتُسجَّل محاولات هروب متكرّرة من نساء وفتيان كبار، بحسب المشرفين.
وتؤكّد حنان أنّ مئات المركبات تدخل يومياً لإيصال الإمدادات، ويمكن استخدامها لتهريب الأشخاص إلى الخارج: «الناس يهربون كل يوم، ويبدو أنّ العملية منظّمة. يبنون أماكن للاختباء داخل خزانات المياه».
ويؤكّد المشرفون أنّهم بالكاد قادرون على إبقاء المخيّمات متماسكة، والوضع ازداد سوءاً منذ أن قطعت إدارة ترامب هذا العام تمويل الوكالة الأميركية للتنمية USAID للخدمات الأساسية مثل ضخّ المياه وتوزيع الخبز والرعاية الطبية.
وعلى رغم من أنّ وزارة الخارجية الأميركية أعادت بسرعة تمويل توزيع المياه والخبز، فإنّ جميع خدمات الرعاية الطبية وحماية الطفل والتعليم توقفت بالكامل. لكن زادت أعمال العنف ومحاولات الهروب، واندلعت احتجاجات ضدّ قرار إدارة ترامب وقف تمويل بعض المجموعات التي تساعد السكان.
خلال تلك الفترة، هاجم محتجزو الهول مكاتب منظمات الإغاثة، محطّمين الأبواب والنوافذ وأصابوا الحراس بجروح. وكشفت أنّ بعض النساء احتشدن أمام مكتبها مطالبات بالخبز والماء والرعاية الطبية لأطفالهنّ الرضّع.
أواخر العام الماضي، ارتدى زوجان في الهول أحزمة ناسفة منزلية الصنع وهددا بتفجيرها، عندما داهمت قوات (قسد) خيمتهما خلال عملية أمنية. وعندما رفضا الاستسلام، جرى إطلاق النار عليهما وقتلهما.
كثيرون من المحتجزين في الهول وروج يُريدون العودة إلى منازلهم في سوريا أو العراق أو عشرات الدول الأخرى. غير أنّ بعض تلك الدول لا تريدهم بدافع مخاوف تتعلّق بالأمن القومي، ما يترك النساء والأطفال عالقين.
يعتقد المشرفون على المخيّمات، أنّ هناك حاجة ملحّة لتقليل عدد السكان. وقد التزمت كل من العراق وسوريا بإعادة مواطنيهما الذين يشكّلون الجزء الأكبر من نزلاء المخيّمات. وفي عام 2024، كان نحو 40% من المحتجزين سوريِّين، بحسب الأمم المتحدة.
في أيلول، أعلنت العراق أنّها أعادت نحو 19,000 من مواطنيها، وتعتزم إعادة البقية في نهاية العام. أمّا الحكومة السورية، فلديها خطة مماثلة لإعادة مواطنيها إلى منازلهم، لكنّها لم تُعِد سوى بضع مئات حتى الآن.

theme::common.loader_icon