تحليل الحرب في أوكرانيا وتطوّراتها الأخيرة
تحليل الحرب في أوكرانيا وتطوّراتها الأخيرة
د. خالد العزّي
Wednesday, 10-Dec-2025 07:40

لا شك في أنّ الوضع في أوكرانيا صعب للغاية، حيث تشهد البلاد قتالاً شرساً بين القوات الروسية والأوكرانية. منذ بدء الهجوم الروسي في آذار الماضي، كانت روسيا تسعى إلى تحقيق أهداف متعدّدة في أوكرانيا. تزامناً، ساهم التقاعس الغربي في دعم أوكرانيا بالأسلحة، في منح الجيش الروسي فرصة لإعادة ترتيب صفوفه وتحقيق بعض النجاحات في الميدان. وعلى رغم من هذا، لا يزال الجيش الأوكراني يقاوم بقوّة، ويواجه تحدّيات شديدة في الصمود أمام الهجمات الروسية.

التحليل العسكري للهجوم الروسي في خاركيف وكيروفسك وكوبنسك

 

بدأت القوات الروسية في شنّ هجوم على أوكرانيا بهدف تشتيت القوات الأوكرانية، خصوصاً في المنطقة الشمالية الجنوبية لمدينة خاركيف. المدينة نفسها شهدت صراعاً طويلاً في الحرب العالمية الثانية، وقد تراجعت سريعاً أمام القوات الألمانية آنذاك. وعلى رغم من أنّ روسيا لا تستطيع السيطرة بشكل كامل على خاركيف من دون تكثيف الجهود العسكرية، فإنّها تسعى إلى الضغط عليها. وتمثل خاركيف أهمية استراتيجية، باعتبارها ثاني أكبر مدينة أوكرانية، إذ كان سكانها في البداية يميلون إلى روسيا، الأمر الذي جعلها هدفاً أساسياً في الهجوم.

 

بالإضافة إلى خاركيف، كانت مدينتا كيروفسك وكوبنسك اللتان تقعان في المنطقة الشرقية لأوكرانيا، أيضاً محط استهدافات متواصلة للقوات الروسية في الآونة الأخيرة. وكيروفسك التي تُعتبر من المدن الصناعية الهامة، تقع بالقرب من مناطق استراتيجية في دونباس، ما يجعلها نقطة محورية في الخطط العسكرية الروسية.

 

أمّا كوبنسك، فهي تقع في شمال شرق أوكرانيا، وقد كانت هدفاً آخر للجيش الروسي، الذي يهدف إلى قطع الطريق على القوات الأوكرانية وتحقيق تقدّم أكبر في مناطق جديدة. هذه الهجمات على المدن الثلاث، هي جزء من خطة روسية شاملة للضغط على القوات الأوكرانية في شمال وشرق البلاد.

 

التأثيرات المباشرة للهجوم على خاركيف وكيروفسك وكوبنسك

 

منذ بداية الهجوم الروسي، تراجعت المدينة إلى حدٍّ كبير تحت السيطرة الروسية. وقد أُجبر أكثر من 10,000 شخص على مغادرة قراهم في شمال شرق أوكرانيا، خصوصاً في خاركيف. تزامناً، أكّدت وزارة الدفاع الروسية أنّها سيطرت على 12 قرية في المنطقة في غضون أسبوع. ومع ذلك، تواصل القوات الأوكرانية الدفاع عن مناطقها وصَدّ الهجمات الروسية.

 

أمّا بالنسبة إلى مدينتَي كيروفسك وكوبنسك، فقد تعرّضتا أيضاً لاحتلالات موقتة على يَد القوات الروسية، إذ تسعى موسكو إلى تأمين المنطقتَين لإحكام سيطرتها على الشرق الأوكراني بشكل أكبر. لكنّ هذا التقدّم الروسي لم يكن مستداماً بالكامل، إذ تواصل القوات الأوكرانية جهودها لاستعادة المناطق المفقودة وإعادة تنظيم دفاعاتها.

 

الأهداف الروسية من الهجوم السريع

 

يهدف الهجوم الروسي إلى تحقيق أهداف استراتيجية عدة:

 

1- الضغط على خاركيف: على رغم من صعوبة السيطرة على المدينة، فإنّ الهدف الروسي هو الضغط عليها عسكرياً لانتزاع مكاسب سياسية واستراتيجية.

2- إبعاد الهجمات عن مناطق أخرى: يشمل ذلك محاولة منع الهجمات الأوكرانية على مناطق مثل بيلغورود وبريانسك، الواقعتَين على الحدود الروسية.

 

3- التحرّك نحو دونيتسك ولوغانسك: يسعى بوتين إلى الإستفادة من تراجع الإمدادات الغربية لأوكرانيا بهدف السيطرة على هاتَين المنطقتَين.

4- الإستحواذ على مدن جديدة: من خلال الهجوم على مدن مثل كيروفسك وكوبنسك، تسعى روسيا إلى توسيع دائرة السيطرة العسكرية وضمان الحصول على مناطق استراتيجية إضافية في شرق أوكرانيا.

 

التهديد الروسي بفتح حرب مع أوروبا

 

منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، سعت روسيا بشكل مستمر إلى ممارسة ضغوطات على الدول الأوروبية والولايات المتحدة، عبر تهديدات متكرّرة باستخدام القوة العسكرية أو حتى الأسلحة النووية. ومع ذلك، يرى الكثير من المحلّلين هذه التهديدات على أنّها وسيلة للتهويل ورفع مستوى الضغط السياسي، في محاولة لانتزاع تنازلات في سياق الصراع الدولي القائم.

 

التهديدات الروسية بفتح حرب مع أوروبا تُعتبر في كثير من الأحيان تهويلاً سياسياً، إذ تسعى روسيا إلى استخدام هذه التصريحات لزيادة حدّة التوترات وخلق جو من الضغط على الدول الغربية. هذه التهديدات ليست دائماً حقيقية أو قابلة للتحقيق في المدى القصير، بل جزء من الاستراتيجية الروسية لاستعراض القوّة وفرض الهيمنة على الساحة الدولية.

 

وتُعتبَر هذه التحرّكات السياسية محاولة لاستباق أي خطوات قد تتخذها الدول الغربية لدعم أوكرانيا بشكل أكبر. وتهدف روسيا من خلال هذه التهديدات إلى تقليل الدعم الغربي لأوكرانيا، ولمنع الاتحاد الأوروبي وحلفائه من تعزيز إمدادات الأسلحة والمساعدات العسكرية.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تهديدات روسيا تندرج ضمن الاستراتيجية الروسية في تقوية موقفها التفاوضي على الساحة الدولية، إذ تسعى إلى الضغط على الدول الغربية لإيجاد تسوية أو اتفاقات تتماشى مع مصالحها في الأزمة الأوكرانية.

 

الدور الغربي في الصراع

 

تنتظر أوكرانيا بفارغ الصبر وصول المساعدات العسكرية الغربية، ويُتوقع أن تصل الأسلحة الأميركية في الأسابيع المقبلة. هذه الأسلحة ستُتيح للجيش الأوكراني توجيه ضربات في العمق الروسي، ما سينعكس سلباً على موسكو. كما ستُتيح لأوكرانيا إمكانية حماية نفسها من الهجمات العشوائية التي تشنّها روسيا على أراضيها.

 

التطوّرات السياسية وتأثيرها على الاستراتيجية العسكرية

بالإضافة إلى التحرّكات العسكرية، شهدت الساحة السياسية الروسية تغييرات مهمّة، بما في ذلك تعيين أندريه بيلوسوف وزيراً للدفاع خلفاً لسيرغي شويغو، وهو ما يعكس التوجّه نحو إعادة تنظيم القوات الروسية استعداداً لمعارك أكثر شدّة. في الوقت عينه، التغيير في القيادات العسكرية قد يكون مرتبطاً أيضاً بمحاولة بوتين تطوير استراتيجيات لوجستية جديدة باستخدام أسلحة وطائرات متطوّرة.

 

تصريحات سياسية مهمّة

من جانبهم، أعرب قادة الدول الأوروبية مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن استعدادهم للتدخّل العسكري إذا تعرّضت أوكرانيا إلى الهجوم الشديد. ففي حال انهيار الدفاعات الأوكرانية، قد يتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً بإرسال قوات للدفاع عن أوكرانيا، مما أثار قلقاً كبيراً في روسيا، إذ أطلقت مواقف متشدّدة تُهدِّد باستخدام الأسلحة النووية للضغط على الغرب.

 

بينما تستمر الحرب في أوكرانيا، تظل الآفاق ضبابية والنتائج غير مؤكّدة. وعلى رغم من التحرّكات العسكرية الروسية وتغيير استراتيجياتها، يبدو أنّ أوكرانيا ستكون صامدة، خصوصاً مع تعزيز الدعم العسكري الغربي. وفي نهاية المطاف، فإنّ القتال سيستمر لفترة طويلة، ويُتوقع أن تستمر المعركة لأشهر عديدة قبل الوصول إلى حل نهائي.

theme::common.loader_icon