قبل عام، أطاح المتمرّدون بالرئيس بشار الأسد، وأنهوا عقوداً من الديكتاتورية والحرب الأهلية. لكنّ التحدّيات ما زالت قائمة أمام القيادة الجديدة.
قبل عام، أطاح المتمرّدون بالرئيس بشار الأسد، وأنهوا عقوداً من الديكتاتورية والحرب الأهلية. لكنّ التحدّيات ما زالت قائمة أمام القيادة الجديدة. ارتفع صوت الآذان في الهواء البارد الساكن فجر أمس من الجامع الأموي التاريخي في دمشق، عاصمة سوريا، معلناً رسمياً بدء الاحتفالات لإحياء مرور عام على سقوط الديكتاتور بشار الأسد، ونهاية الحكم الاستبدادي الممتد لعائلته لعقود طويلة.
تأتي هذه الاحتفالات بينما تكافح البلاد العنف الطائفي، التحدّيات الاقتصادية العميقة، والفجوات الأمنية التي تعوق أي تعافٍ ذي معنى. كما يتعامل قادتها الجدد مع كيفية بناء مؤسسات تحكم بعدالة نحو 25 مليون نسمة، مع موازنة المصالح الإقليمية المتنافسة والتعامل مع الانقسامات الاجتماعية والسياسية والدينية المتجذرة منذ زمن.
لكن في الذكرى السنوية، توحّد العديد من السوريِّين في فرحهم بحرّيتهم المستجدّة. أضاءت الألعاب النارية السماء، تعالت الموسيقى من السيارات، ولُوِّح بالعلم الجديد للبلاد من الشرفات. لوحات إعلانية تحمل شعارات مثل «بلد واحد، شعب واحد» و»انتهى العصر المظلم»، ذكّرت الناس بما تحمّلوه - وما يحتفلون به الآن. وفي ساحة الأمويِّين الشهيرة في دمشق، تصدّر العرض العسكري، الذي تضمّن خيولاً ودبابات ومروحيات المشهد. وشارك الرئيس أحمد الشرع في الاحتفال، ووصل إلى الجامع الأموي قبل الفجر ليلتقي الحشود المنتظرة.
وأكّد محمد حريري (48 عاماً)، وهو تاجر من درعا في جنوب غرب سوريا يعيش حالياً في دمشق: «لقد انتهى القمع. نحن الآن متفائلون بشأن المستقبل». كان تفاؤل حريري متناقضاً بشكل صارخ مع الإرث الوحشي لأسرة الأسد، التي حكمت سوريا لأكثر من 5 عقود. ففي عهد بشار الأسد، الذي أطيح به في كانون الأول الماضي، ووالده حافظ الأسد، حافظ النظام على السيطرة بقبضة من حديد، وأسكت المعارضة عبر التعذيب والسجن والخوف.
ظلّت هيمنة الأسد على البلاد قوية حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، التي تحوّلت إلى كارثة دامت نحو 14 عاماً، وحصدت أكثر من نصف مليون قتيل وفق بعض التقديرات. وتشتّت اللاجئون السوريون حول العالم، وتحوّلت مدن البلاد المزدهرة سابقاً إلى أنقاض.
لكن كل ذلك انهار، حين سيطر المتمرّدون على معاقل الحكومة، واخترقوا مواقع الجيش، واستولوا بسرعة على العاصمة. وبرز الشرع، القائد السابق لفصيل متمرّد متحالف مع تنظيم القاعدة، كزعيم فعلي لسوريا وسارع إلى استعادة مكانة البلاد الدولية.
التقى الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وألقى كلمة في الأمم المتحدة في أيلول، في أول ظهور لقائد سوري هناك منذ نحو 60 عاماً. ونجح في إقناع الولايات المتحدة برفع معظم العقوبات التي شلّت اقتصاد البلاد. ودعا المستثمرين الدوليِّين إلى تمويل إعادة إعمار سوريا عبر الاستثمار والتجارة.
وأعلن الشرع في المسجد أمس: «لا تحدٍ، مهما كان عظيماً أو ثقيلاً، سيقف في طريقنا. لن يثنينا أي عائق. سنواجه كل التحدّيات المقبلة».
على رغم من التفاؤل، لا تزال المخاوف قائمة. أدّت التخفيضات في دعم الخبز والوقود إلى صعوبة معيشية وسط ارتفاع الأسعار. بعض السوريِّين الذين تحدّثوا إلى «نيويورك تايمز» خلال الأيام الماضية، عبّروا عن استيائهم من تركيز الحكومة على لوحات الإعلانات الخاصة بالذكرى والسيارات الفاخرة للمسؤولين. ومع قلّة فُرَص العمل وانخفاض الأجور، يرى بعض الشباب أنّ الهجرة هي أملهم الوحيد لمستقبل أفضل.
وأقرّت عزب طعمة (30 عاماً)، التي تعمل في سوق للخضار والفواكه في دمشق: «لا أرى أي تطوّر ولا أي أمل». وأضافت أنّها تكسب 6 دولارات يومياً، وتعتني بشقيقتها المعاقة و14 طفلاً، بينهم أولاد شقيقها الذي قُتل في الحرب.
تفاقمت التحدّيات السورية مع المهمّة الهائلة التي تواجه حكومة الشرع في التعامل مع مجتمع ممزّق. فقد قتل العنف الطائفي آلاف الأشخاص خلال العام الماضي. وفي آذار، قتل رجال مسلّحون أكثر من 1600 مدني، معظمهم من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وفي تموز، قُتل المئات في اشتباكات بين مقاتلين دروز والقوات الحكومية في محافظة السويداء جنوباً.
ويوم السبت، حظّرت الإدارة الكردية في الشمال الشرقي أي تجمّع عام لإحياء الذكرى، مشيرةً إلى مخاوف أمنية. وقد رفضت هذه الإدارة مساعي الشرع لفرض سيطرة مركزية، ولا تزال العلاقة بين الطرفَين متوترة.
وأوضحت زينان عثمان (47 عاماً)، التي تدير متجراً للأجهزة الكهربائية في وادي المشاريع، وهو حي غالبيته كردية في دمشق: «ذهب نظام بشار الفاسد، لكنّنا جميعاً نخشى ما قد يحدث لاحقاً. لا أحد يُعاقَب على التحريض».
بالنسبة إلى كثيرين، كانت الاحتفالات ممزوجة بالمرارة، خصوصاً الذين لهم أقارب ما زالوا مفقودين. فقد اعتقلت السلطات السابقة عشرات الآلاف ممَّن اعتبرتهم معارضين، اختفى الكثير منهم، وأُعدم كثيرون، وفق جماعات حقوق الإنسان.
شريفة حزبر (51 عاماً) رأت زوجها باسل آخر مرّة عام 2018 في سجن صيدنايا، أشهر السجون السورية. وفي فعالية مخصّصة لعائلات المفقودين والشهداء، طالبت الحكومة أن تكشف ما حدث له، وأن تقدِّم أي أدلة أو وثائق تتعلّق بقضيّته لتتمكّن من الوصول إلى خاتمة: «أحتاج أن أعرف إن كان قد أُطلق عليه الرصاص، شُنق، أو أي شيء قد حدث له. هذا حقي».