سفراء مجلس الأمن في بيروت: من يرث «اليونيفيل»؟
سفراء مجلس الأمن في بيروت: من يرث «اليونيفيل»؟
جورج شاهين
Saturday, 06-Dec-2025 07:17

لا يتذكّر أي من المسؤولين اللبنانيين، أنّ زيارة مماثلة لتلك التي يقوم بها سفراء مجلس الأمن الدولي قد شهدها لبنان من قبل. مع انّه يتعاطى مع قوات «اليونيفيل» منذ تشكيل نواتها الأولى بموجب القرار 425 العام 1978. وهو أمر برّرته المراجع المعنية بأنّ القرار الاخير بإنهاء مهمتها في لبنان نهاية 2027 الصادر في 28 آب الماضي، تحدث عن إيفاد بعثة للاستطلاع وتقصّي الحقائق في منطقة عملياتها. وعليه، من المهمّ البحث عمّا اريد من هذه الزيارة، وشكل القوة التي سترث دور «اليونيفيل».

كان واضحاً أنّ مهمّة وفد مجلس الأمن استطلاعية غير مسبوقة منذ 47 عاماً، لاستكشاف المرحلة الفاصلة عن نهاية مهمّة «اليونيفيل» حجب الاهتمام بوقائع زيارة البابا لاوون الرابع عشر للبنان، وملاحقة التطورات الأمنية التي سبقتها وتلتها، وصولاً إلى انضمام مدنيين إلى الخماسية العسكرية، عن زيارة وفد سفراء مجلس الأمن الدولي بكل أعضائه الخمسة عشرة للبنان. وإلّا كان من المهمّ جداً مواكبة التحضيرات التي شهدتها الأمم المتحدة والدوائر المختصة بعمليات «قوات حفظ السلام الدولية» العاملة في أكثر من بقعة في العالم. فالمهمّة نادرة في شكلها ومضمونها، وما هو مطلوب من وفد يجمع هذا العدد من رؤساء البعثات الديبلوماسية التي تشكّل مجلس الأمن الدولي بنصابه الكامل.

 

والتذكير بأولى الإشارات التي أوحت بتشكيل هذا الوفد الكبير وتحديد مهمّته الأولى والأخيرة في لبنان، يفرض العودة إلى القرار الذي نصّته البعثة الفرنسية بالخط الأزرق، قبل موافقة أعضاء مجلس الأمن، حاملاً الرقم 2790 الذي مدّد ولاية قوات «اليونيفيل» بالإجماع في 28 آب الماضي ولفترة 16 شهرًا تمتد حتّى 31 كانون الأول 2026. على انّ تكون السنة التالية سنة التصفية النهائية لمهمّة هذه القوات بقواتها البرية والبحرية والجوية.

 

وقال القرار في الملحقات التطبيقية الخاصة به، بتشكيل وفد من رؤساء بعثات مجلس الأمن، لزيارة لبنان والإطلاع من قرب على واقع هذه القوات وما أنجزته، في قراءة قد تكون الأخيرة، لتُبنى على أساسها الإجراءات المؤدية إلى إنهاء مهمّتها على مراحل، من دون أن يشكّل انسحابها أي خطر على الأمن والسلام الدوليين. وعليه، بُني الرهان على هذه المهمّة للتحضير منذ اليوم للقوة التي ستخلفها، إن كانت المنطقة المكلّفة إدارتها او حمايتها، إلى جانب مهمّتها الأساسية بمساعدة القوى العسكرية الوطنية على بسط سلطتها كاملة بقواها الشرعية على كل أراضيها، والتثبت من انتفاء أي مخاطر جدّية قد تنشأ بانسحابها.

 

وتأسيساً على ما تقدّم من هذه الملاحظات التي لا يمكن تجاهلها عند مقاربة المهمّة التي يقوم بها الوفد الموسّع، فإنّ ما شهدته لقاءاته في بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي ووزارة الخارجية، رسمت الخطوط العريضة للتقرير المطلوب منها، لرفعه إلى مجلس الأمن عند مناقشة كل ما يتصل بهذه القوات، سواء على المستوى العسكري والأمني او اللوجستي والمالي. ذلك انّ إعادة النظر في موازنة الأمم المتحدة كجسم شامل منذ أن خفّضت الولايات المتحدة الأميركية مساهماتها فيها بقرار تنفيذي اتخذه رئيسها دونالد ترامب، انعكس على مختلف نشاطاتها والحياة اليومية في منشآت المنظمة الدولية ومكاتبها في نيويورك وحول العالم وقوات حفظ السلام فيه.

 

على هذه الخلفيات يمكن الإشارة إلى مجموعة الأسئلة التي طرحها الوفد على المسؤولين اللبنانيين الكبار، وخصوصاً في القصر الجمهوري، حيث جاءت أجوبة رئيس الجمهورية بمفاصلها المختلفة رداً على هذه الأسئلة التي طرحها رئيس الوفد وزملاؤه، وتناولت بالتدرّج الوضع في الجنوب بعد القرار الدولي الأخير، وما حدّده من مهلة لإنهاء مهمّة «اليونيفيل» بعد 47 عاماً على تأسيسها، وصولاً إلى بقية الملفات المتصلة بسير المفاوضات الجارية عبر «الميكانيزم»، التي شكّلت على خلفية القرار 1701 الذي لم يُطبّق منذ صدوره في 12 آب 2006 حتى الأمس القريب، وبقيت معظم بنوده قيد الحفظ إلى أن انفجر الوضع في 8 تشرين الأول 2023 بفعل إعلان «حزب الله» «حرب الإسناد» لحركة «حماس» الفلسطينية التي شنّت عملية «طوفان الأقصى»، وتطورت لاحقاً بمختلف مراحلها حتى بلغت الحرب الأخيرة التي سُمّيت «أولي البأس» وانتهت بتفاهم 27 تشرين الثاني 2024، الذي أعاد التذكير بالقرار 1701 ومقتضياته بعد مرور 18 عاماً وثلاثة أشهر على صدوره.

 

إلى هذه المعطيات التي ركّز عليها الوفد، فقد تطورت المناقشات لتطاول المفاوضات الجارية في ضيافة الأمم المتحدة برعاية مشتركة أميركية وفرنسية وأممية، وصولاً إلى الإصلاحات المطلوبة على مختلف المستويات. وإن توقفت المداخلات عند أوضاع الجيش والمؤسسات العسكرية ومدى قدرتها على تطبيق ما هو مطلوب منها بالقدرات المتوافرة إلى جانب قوات «اليونيفيل»، وخصوصاً على مستوى جمع أسلحة «حزب الله» وبقية المنظمات المسلحة غير الشرعية لبنانية كانت أم غير لبنانية، في إشارة إلى سلاح المخيمات الفلسطينية في الجنوب، إن وجدت في أي بقعة من منطقة عمليات «اليونيفيل» والتثبت من الأدوار المحصورة بالقوى الأمنية الذاتية من قوى أمن وأمن دولة وأمن عام وصولاً إلى شرطة البلديات. فلمعظم هذه الدول بعثات في لبنان، وأكثريتها مشاركة في «اليونيفيل»، وتعرف ما تقوم به وحدات بلادها من مهمّات حفظ الأمن ومساعدة الجيش والسكان المدنيين في مختلف وجوه حياتهم اليومية المعيشية منها والثقافية والصحية والاجتماعية، وصولاً إلى تأمين الإنارة في غياب مؤسسة الكهرباء الوطنية.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات، ركّز الوفد على ما تحقق من إصلاحات ادارية ومالية واقتصادية مطلوبة، لإحياء الثقة بالقطاعات الحيوية، ولا سيما منها المصرفية ومكافحة اقتصاد «الكاش» وعمليات تبييض الاموال وتهريب المخدرات والإتجار بالبشر، إلى ما هنالك من مظاهر الخروج على القوانين المالية والتجارية الناظمة للعلاقات بين الدول، وبفعل انعكاساتها السلبية على الدول التي يتعاطى معها لبنان، وكانت سبباً في فرض عقوبات لم يتخلص منها اللبنانيون كاملة بعد.

 

وإلى هذه المعطيات، ظهر واضحاً انّ البعثة بحثت ايضاً في رؤية اللبنانيين لمرحلة ما بعد «اليونيفيل»، في ظل مجموعة من الاقتراحات الدولية المتداولة في الكواليس الديبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة ولبنان، من خلال الأسئلة عن شكل القوة التي تتولّى مساعدة الجيش في ضبط الوضع جنوباً بعد تفكيك «اليونيفيل». وهو ما برز واضحاً في اقتراح رئيس الحكومة، عندما تحدث عن الحاجة إلى «قوة تعمل تحت إطار هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (UNTSO)، أو أن تكون قوة حفظ سلام محدودة الحجم ذات طابع مشابه لقوة الـ(UNDOF) العاملة في الجولان، لجهة طبيعة المهمّات وضبط الحدود. علماً انّ ما هو مطروح قد يكون من خارج هاتين التجربتين، ومنها قوة تفتقد الغطاء «الأممي» وتعود بـ «الدولي».

theme::common.loader_icon