وسط استمرار تفاعل نتائج زيارة البابا لاوون الرابع عشر داخلياً، وغداة التطور المتمثل بتطعيم لجنة «الميكانيزم» بمدنيين، وتعيين لبنان السفير السابق سيمون كرم رئيساً لفريقه فيها، واستباقاً لاجتماعها الجديد في 19 من الجاري، تعمّدت إسرائيل استئناف التصعيد بموجة غارات جوية عنيفة على بعض المناطق الجنوبية، وكأنّها تريد من خلالها الإبلاغ إلى المعنيين، أنّ التفاوض في شكله الجديد سيتمّ تحت النار. وقد جاء هذا التصعيد عشية استقبال لبنان اليوم ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بعد زيارتهم عمان ودمشق.
لم تكد طائرة البابا لاوون الرابع عشر تقلع من بيروت حتى هبّت العواصف مجدداً على لبنان، وإذا كان بعضها المنتظر يحمل رائحة البارود جراء عودة الاستهدافات والغارات الإسرائيلية، والتي تزامنت للمرّة الثانية مع عرض مجلس الوزراء لتقرير الجيش لخطة حصرية السلاح، فإنّ عاصفة تسمية السفير السابق سيمون كرم لترؤس وفد لبنان في لجنة «الميكانيزم» لم تهدأ بعد...
وعلمت «الجمهورية»، أنّ اسم كرم كان قد اتُفق عليه بين الرؤساء الثلاثة الجمعة الفائت، أي قبيل زيارة البابا، وبالإتفاق ايضاً أُعلن في الوقت المحدّد صباح الأربعاء، غداة مغادرة البابا، ولا ربط للزيارة أبداً بإعلان لبنان خطوته هذه، إنما تمّ التأجيل تجنباً لإحداث أي خضة سياسية في ظل الزيارة.
وكشف مصدر مطلع لـ«الجمهورية»، انّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، تبلّغ الجمعة الماضي من الموفدة الأميركية مورغن اورتاغوس موافقة إسرائيل على تطعيم مدني لـ«الميكانيزم»، فأوفد مستشاره ديديه رحال إلى رئيسي مجلس النواب والحكومة لإبلاغهما بالأمر، وكان هناك أكثر من اسم في التداول، لكن وقع الاختيار على كرم بموافقة الجانب الأميركي.
وحول موقف «حزب الله» قال المصدر: «انّ الحزب سبق له أن وافق على مشاركة خبير، لكنه لم يكن على علم باسم كرم ولم تتمّ استشارته به، في اعتبار انّ الرئيس بري يتولّى هذه المهمّة». كذلك كشف المصدر، انّ اورتاغوس والسفير الأميركي ميشال عيسى عملا على هذا الأمر بقوة، وانّ الجانب المصري دخل في مسعى مساند تجنّباً لتهديد جدّي جداً كان ينوي الإسرائيلي القيام به، وهو عملية عسكرية واسعة برية وجوية قد تشمل منطقة جنوب الليطاني بكاملها، خصوصاً انّ الرأي الأميركي بهذه العملية أنّها لن تحلّ المشكلة، وأهدافها فارغة، ومن الطبيعي أن تكون محفوفة بمخاطر كبيرة لا تريدها واشنطن، التي تسعى لإقامة أكبر سفارة لها في منطقة الشرق الأوسط مقرّها لبنان». ورأى المصدر «انّ خطوة لبنان بفتح باب التفاوض مجدداً ستطلق مرحلة جديدة قد تتطور إيجابياً، لأنّها وإن كانت في معزل عن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، إلّا انّها سترسي نوعاً من الهدنة قد تكون هشة، وقد تؤسّس لمرحلة تفاوض متدرج وعلى القطعة».
تهديد خطير
وإلى ذلك، قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، انّ الاتجاه السلمي المفاجئ الذي سلكه الوضع اللبناني، والذي عبّر عنه إشراك مدني في لجنة «الميكانيزم» من جانبي كل من لبنان وإسرائيل، كان ثمرة جهود ديبلوماسية حثيثة تمّت في الأيام الأخيرة من تشرين الثاني الفائت، بقيادة الولايات المتحدة التي كانت تتوجس من قيام بنيامين نتنياهو بتفجير حرب شرسة وواسعة على لبنان، في الأسابيع القليلة المقبلة، بهدف دفع «حزب الله» إلى التخلّي عن سلاحه بقوة النار. فهذا الأمر تعتبره إدارة الرئيس دونالد ترامب تهديداً خطيراً ليس فقط للبنان بل أيضاً للشرق الأوسط ككل. ولهذا السبب، حصل الاتصال الهاتفي يوم الثلاثاء بين ترامب ونتنياهو، وانتهى إلى اتفاق على زيارة يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن قريباً، من أجل تنسيق المواقف». وأضافت المصادر، انّ «الهدف الأميركي الحالي هو منع أي مغامرة إسرائيلية عسكرية كبرى لا على جبهة لبنان ولا على جبهة سوريا، لأنّ المشروع الأميركي الجاهز للتنفيذ في البلدين يتضمن سلاماً مع إسرائيل، يفتح الباب لاستثمارات اقتصادية هائلة. وقد استفاد الأميركيون من «لحظة السلام» التي دفع البابا لاوون الرابع عشر في اتجاهها، خلال زيارته للبنان، لكي يسرعوا العجلة. وهذا ما ظهر في التطور الذي شهدته الناقورة الأربعاء الفائت.
الإجتماع المقبل
في أي حال، فإنّ الاجتماع المقبل للجنة «الميكانيزم» سينعقد في 19 من الشهر الجاري. ونقل موقع «إكسيوس» عن مسؤول أميركي قوله، إنّ الولايات المتحدة تأمل أن يساعد الاجتماع في خفض التوترات بين البلدين، ومنع تجدد الحرب في لبنان. وأكّد أنّ الأطراف اتفقت على الاجتماع مجدداً قبل نهاية السنة، وتقديم مقترحات اقتصادية تساعد في بناء الثقة. وأوضح أنّ «جميع الأطراف تتفق على أنّ الهدف الأساسي يبقى نزع سلاح «حزب الله»، وستواصل الجيوش الثلاثة العمل على ذلك عبر آلية وقف إطلاق النار». ولفت إلى انّ إدارة ترامب تعتقد أنّ اغتيال القائد العسكري لحزب الله (هيثم الطبطبائي) أخّر عملية إسرائيلية كبرى في لبنان. وترى أنّ استئناف إسرائيل للحرب غير وارد في الأسابيع المقبلة. وكشف انّ رؤية واشنطن تتمثل في إنشاء «منطقة ترامب الاقتصادية» على طول الحدود خالية من «حزب الله».
عون
وأوضح الرئيس عون خلال جلسة مجلس الوزراء، انّه تمّ تعيين كرم عضواً في لجنة «الميكانيزم»، وذلك بعد مشاورات بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام. وقال: «من البديهي أن لا تكون اول جلسة كثيرة الإنتاج، ولكنها مهّدت الطريق لجلسات مقبلة ستبدأ في 19 من الشهر الجاري، وانّ الغاية ليست استهداف فئة او شريحة من اللبنانيين كما بدأ البعض بالترويج له، بل حماية لبنان، كل لبنان. ولا يجب على احد ان يأخذ المسألة الى مكان آخر، وحتى الآن ردود الفعل على الاجتماع الأول كانت إيجابية، وهذا ما يجب أن نستغله لتحقيق هدفنا بإبعاد شبح الحرب الثانية عن لبنان. واتفقت مع الرئيسين بري وسلام على اسم السفير كرم كونه سفيراً سابقاً ومحامياً وشارك في الوفد اللبناني في مفاوضات مؤتمر مدريد للسلام، وله باع كبير في هذا المجال». وأضاف: «المطلوب من المجتمع الدولي وفي مقدّمه الولايات المتحدة الأميركية، العمل على إنجاح المفاوضات، من خلال الطلب إلى إسرائيل الالتزام بالتعاطي بروح إيجابية وجدّية، وهذا ما سأقوله لوفد مجلس الأمن الذي سيزور لبنان غداً (اليوم) برفقة السيدة اورتاغوس». وأوضح انّ التوجهيات التي أعطاها وسلام إلى كرم «عنوانها العريض هو التفاوض الأمني، أي وقف الاعتداءات والانسحاب من النقاط المحتلة، وترسيم الحدود، وإعادة الأسرى».
السفير الأميركي
في هذه الأثناء، أصدر السفير الأميركي ميشال عيسى بياناً أشاد فيه بكل من لبنان وإسرائيل «لاتخاذهما القرار الشجاع بفتح قناة حوار في هذه اللحظة الحساسة»، معتبراً «أنّ هذه الخطوة تشير إلى رغبة صادقة في السعي نحو حلول سلمية ومسؤولة مبنية على حسن النية. لا يمكن تحقيق تقدّم مستدام إلّا عندما يشعر كلا الجانبين بأنّ مخاوفهما محترمة وآمالهما معترف بها. ويبقى التوافق والتفاهم والقيادة المبنية على المبادئ، أمورًا أساسية». وقال: «أرحّب أيضاً بقرار الحكومة اللبنانية باعتماد الحوار بعد عقود من عدم اليقين. يُمثل هذا خطوةً بناءةً نحو تحديد مسارات قد تسمح يومًا ما لكلا البلدين بالتعايش بسلام واحترام وكرامة».
البخاري عند الراعي
وفي غضون ذلك، التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمس، السفير السعودي وليد البخاري، وكان حديث عن زيارة البابا للبنان وأهميتها والتطلعات المرتقبة على إثرها. وأثنى البخاري على أهمية هذه الزيارة التي «تكرّس الدور التاريخي للبنان كبلد صانع للسلام وكمركز لقاء وحوار بين مختلف الأديان»، آملا ان «يتلقف الجميع رسائل قداسة البابا، الذي شدّد على المصالحة والتعايش، وأن يساهموا جميعهم في ورشة بناء السلام الذي تحتاج اليه المنطقة».
تصعيد
وغداة اجتماع لجنة «الميكانيزم»، شهدت الجبهة الجنوبية أمس تصعيداً ملحوظاً، بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ غارات جوية على مواقع ادّعى انّها «تضمّ مخازن أسلحة وبنى لوجستية» يستخدمها «حزب الله»، واستهدفت هذه الغارات مبنى في محرونة وآخر في جباع، قبل أن تتوسع دائرة القصف إلى بلدتي المجادل وبرعشيت في قضاء صور.