على وقع الدبكة اللبنانية ونثر الأرز وبالرغم من سوء الأحوال الجوية، استقبل اللبنانيون بكل أطيافهم قداسة البابا لاوون الرابع عشر في زيارة تاريخية تحمل الرجاء والأمل لهذا الوطن الموجوع.
فيما قُرعت اجراس الكنائس ترحيباً بوصول البابا ومدفعية الجيش اطلقت 21 طلقة ترحيبية.
وفور وصول البابا الى المطار، التقى مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والسيدة الأولى نعمت عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري وعقيلته السيدة رندة بري ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام وعقيلته في قاعة الشرف في المطار.
وشهد طريق القصر الجمهوري في بعبدا ومنذ الساعات الاولى لبعد ظهر اليوم، على وصول الحشود الشعبية والجمعيات والرعايا الذين تقاطروا من بلدات الحدت، بعبدا، اليرزة، الفياضية، كفرشيما، اللويزة، الكحالة وغيرها من البلدات المجاورة وقد حملوا الاعلام اللبنانية واعلام الفاتيكان وهتفوا باسم البابا لاوون الرابع عشر بابا السلام الذي يزور لبنان تحت شعار "طوبى لفاعلي السلام"، وهم على امل ان تكون الزيارة بادرة خير على لبنان.
كما رفعت الاعلام اللبنانية واعلام الفاتيكان الكبرى ورفعت اليافطات التي ترحب بالبابا لاون والتي كتب عليها "اهلا وسهلا ببابا السلام".
وقد فرضت القوى الامنية وعناصر الجيش اللبناني طوقا امنيا حفاظا على سلامة المواطنين وضبط الامن.
كما تواكب ثماني طوافات من نوع غازيل موكب البابا من الجو وصولا الى القصر الجمهوري.
وبعد لقائه الرؤساء الثلاثة والتقاط الصور التذكارية مع عائلاتهم، قال البابا لاوون الرابع عشر، في كلمة ألقاها من القصر الجمهوري في بعبدا، متوجها فيها إلى رئيس الجمهوريّة، السّلطات المدنيّة والدّينيّة، وأعضاء السّلك الدّبلوماسي:"طﻮﺑﻰ ﻟﻔﺎﻋﻠﻲ اﻟﺴّﻼم. انّه ﻟﻔﺮح ﻛﺒﯿﺮ ﻟﻲ أن أﻟﺘﻘﻲ ﺑﻜﻢ وأزور ھﺬه اﻷرض، ﺣﯿﺚ اﻟﺴّﻼم هو أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮّد ﻛﻠﻤﺔ: اﻟﺴّﻼم هنا هو ﺷَﻮق وهو ﻣﺼﯿﺮ، وهو ﻋﻄﯿّﺔ وورﺷﺔ ﻋﻤﻞ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ داﺋﻤًﺎ".
واضاف: "هناك ﻣﻼﯾﯿﻦ اﻟﻠّﺒﻨﺎﻧﯿّﯿﻦ، هنا وﻓﻲ ﻛﻞّ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﯾﺨﺪﻣﻮن اﻟﺴّﻼم ﺑﺼﻤﺖ، ﯾﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﯾﻮم. أﻣّﺎ أﻧﺘﻢ، اﻟّﺬﯾﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮن اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿّﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺆﺳّﺴﺎت ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ، ﻓﻠَﻜُﻢ ﺗﻄﻮﯾﺒﺔ ﺧﺎﺻّﺔ إن اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ أن ﺗُﻘَﺪِّﻣﻮا هدف اﻟﺴّﻼم ﻋﻠﻰ ﻛﻞّ ﺷﻲء. أودّ، ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ھﺬا، أن أﻓﻜِّﺮ ﻣﻌﻜﻢ قليلًا ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ أن ﻧﻜﻮن ﻓﺎﻋﻠﻲ ﺳﻼم ﻓﻲ ظﺮوف ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺘّﻌﻘﯿﺪ، وﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺼّﺮاﻋﺎت واﻻﺿﻄﺮاب".
ولفت إلى أنّه "ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺟﻤﺎل اﻟﻄّﺒﯿﻌﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن وﻏِﻨﺎه اﻟﺜّﻘﺎﻓﻲّ، اﻟﻠﺬﯾﻦ أﺷﺎد ﺑﮭﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻤﯿﻊ أﺳﻼﻓﻲ اﻟﺬﯾﻦ زاروا ﺑﻠﺪﻛﻢ، ﺗﺘﺠﻠّﻰ ﺻﻔﺔٌ ﺗُﻤﯿّﺰ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿّﯿﻦ: أﻧﺘﻢ ﺷﻌﺐ ﻻ ﯾﺴﺘﺴﻠﻢ، ﺑﻞ ﯾﻘﻒ أﻣﺎم اﻟﺼّﻌﺎب وﯾﻌﺮف داﺋﻤًﺎ أن ﯾُﻮﻟَﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ. ﺻﻤﻮدﻛﻢ ھﻮ ﻋﻼﻣﺔ ﻣﻤﯿّﺰة ﻻ يمكن اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﮭﺎ ﻟﻔﺎﻋﻠﻲ اﻟﺴّﻼم اﻟﺤﻘﯿﻘﯿّﯿﻦ: ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻋﻤﻞ اﻟﺴّﻼم ھﻮ ﺑﺪاﯾﺔ ﻣﺘﺠﺪّدة وﻣُﺴﺘﻤﺮّة. اﻻﻟﺘﺰام ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴّﻼم، وﻣﺤﺒّﺔ اﻟﺴّﻼم ﻻ ﯾﻌﺮﻓﺎن اﻟﺨﻮف أﻣﺎم اﻟﮭﺰاﺋﻢ اﻟﻈّﺎھﺮة، وﻻ ﯾﺴﻤﺤﺎن ﻟﻠﻔﺸﻞ ﺑﺄن ﯾﺜﻨﯿﮭﻤﺎ، ﺑﻞ طﺎﻟِﺐ اﻟﺴّﻼم ﯾﻌﺮف أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﻌﯿﺪ، ﻓﯿﻘﺒﻞ ويعاﻧﻖ ﺑﺮﺟﺎء وأﻣﻞ ﻛﻞّ اﻟﻮاﻗﻊ. ﯾﺘﻄﻠّﺐ ﺑﻨﺎء اﻟﺴّﻼم ﻣﺜﺎﺑﺮة، وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﺤﯿﺎة وﻧﻤﻮّھﺎ ﺗﺘﻄﻠّﺐ إﺻﺮارًا وﺛﺒﺎﺗًﺎ".
وقال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلال استقبال الحبر الاعظم البابا لاوون الرابع عشر في القصر الجمهوري: "قداسة البابا لاون الرابع عشر، بفرح عظيم ، أرحب بكم، رسول سلام في وطن السلام. بشرف عظيم، و باسم الشعب اللبناني بكل مكوّناته وطوائفه وانتماءاته، أرحّب بكم في هذا الوطن الصغير بمساحته، الكبير برسالته، لبنان الذي كان وما زال أرضاً تجمع بين الإيمان والحرية، بين الاختلاف والوحدة، وبين الألم والرجاء".
وقال: "من هنا واجبٌ الإنسانية الحية الحفاظِ على لبنان. لأنه إذا سقطَ هذا النموذجُ في الحياة الحرة المتساوية بين أبناء ديانات مختلفة، فما من مكانٍ آخرَ على الأرض، يَصلحُ لها. وكما قلت في نيويورك، أكرر من بيروت: إذا زالَ المسيحيُ في لبنان، سقطت معادلة الوطن، وسقطت عدالتُها. وإذا سقطَ المسلمُ في لبنان، اختلت معادلة الوطن، واختلّ اعتدالها. وإذا تعطل لبنانُ أو تبدل، سيكونُ البديلُ حتماً، خطوطَ تماسٍ في منطقتِنا والعالم، بين شتى أنواعِ التطرّفِ والعنفِ الفكري والمادي وحتى الدموي. هذا ما أدركه الكرسي الرسولي دوماً. ولهذا رفع قداسة بولس السادس صوته باكراً دفاعاً عن وحدة لبنان وسيادته. كما خلّد القديس يوحنا بولس الثاني لبنان في ذاكرة العالم بقوله التاريخي "لبنان أكثر من بلد. إنه رسالة في الحرية والتعددية معاً، للشرق كما للغرب". قبل أن يكرس سابقة كنسية استثنائية، بتخصيص سينودس عام، خاص للبنان. وهو من قال عنا قبل 40 عاماً، بأن وجود المسيحية الحرة في لبنان، شرط لاستمرارها وازدهارها في كل منطقتنا".
في سياق منفصل عن الزيارة، ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، مؤكداً أن قوّة المجتمع تُبنى على التضامن لا على الإقصاء، وعلى الحكمة لا على التشنج، وعلى الشراكة لا على الهيمنة. في ظل التحديات المتراكمة، يبقى الرجاء قائماً حين تستعيد النفوس بوصلتها الأخلاقية، وحين تتقدّم القيادات بخطاب مسؤول يضيء الطريق بدل أن يعمّق الهوة، وحين يُترجم الإيمان إلى موقف، والضمير إلى قرار، والالتزام إلى فعل بناء.
بدوره، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس وقال: "نحن مدعوون اليوم أن نكون رسلا لوطننا، أمناء له، وأمناء على رسالته ودوره، صادقين في ولائنا له وحده، عاملين على الحفاظ على أرضه وتراثه وديمقراطيته وحريته ووحدته، وعلى احترام إنسانه وصون كرامته".