في زمن تتصاعد فيه التوترات الدينية والثقافية والإتنية حول العالم، تكتسب زيارة شخصية دينية بُعداً ليس فقط إجتماعياً بل أيضاً نفسياً ببالغ الأهمية، يتجاوز الطابع البروتوكولي. فزيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر للبنان لا تُقرأ فقط كرسالة دينية، بل كخطوة مدروسة نحو تعزيز الشعور بالأمان النفسي لدى اللبنانيين وإعادة بناء الثقة لديهم مهما كانت إنتماءاتهم الدينية والسياسية... تلك الزيارة تدفعنا لتذكر ما ذكره الإنجيلي يوحنا (14:27) “السلام أترك لكم، سلامي أعطيكم” أي سلام المسيح هو طمأنينة داخلية رغم الظروف. وهذا ما سيقدمه البابا لاوون الرابع عشر للشعب اللبناني من مفهوم المرونة النفسية (Resilience) أي القدرة على الثبات رغم الصعوبات للبنانيين.
ستتم زيارة البابا لاوون الرابع عشر بين 30 تشرين الثاني و2 كانون الأول 2025. حيث يبدأ البرنامج الرسمي بالوصول إلى مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، تليها الزيارة تشمل عدة محطات روحية ودينية داخل لبنان: فبعد الوصول والترحيب رسمي في المطار، سيعقد البابا لاوون الرابع عشر عدة لقاءات سياسية مع قيادات الدولة وطبعاً هناك لقاءات مع قيادات كنسية وممثلي الكنائس في لبنان.
وسيتخلل هذا المرور المبارك للبنان، زيارات لمزارات دينية مهمة، خاصة بأنّ للبنان قديسيين نشروا الحب والقداسة في كل أرجاء المعمورة. كما هناك لقاءات بين مختلف قيادات الطوائف الدينية وحوارات من أجل السلام، بإشراك الشباب اللبناني.
ما أهداف هذه الزيارة المباركة؟
هذه الزيارة هي من أوائل الزيارات للبابا بعد انتخابه في 2025. تحمل الزيارة رسالة سلام ووحدة، في لحظة يمر فيها لبنان بأزمات سياسية، اقتصادية واجتماعية عصيبة. وكأن مروره سيكون رسالة بأن اللبناني يستحق الحياة ويحبها ويجب التمسك بها. فحسب تصريحات الفاتيكان، يريد البابا أن يعيد تأكيد مكانة لبنان كـ «رسالة» وبلد التعايش والتعددية الدينية رغم الجراح والصعوبات.
كما يمكن أن نضيف بأنّ زّيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر تُعَّدْ دعمًا للمسيحيين في لبنان، وتعبر عن اهتمام الفاتيكان بمستقبل الوجود المسيحي في الشرق الأوسط.
ولكن ما هي الأهمية النفسية لهذه الزيارة عند اللبنانيين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص؟
على المستوى النفسي، تمنح هذه الزيارات اللبنانيين شعوراً بالطمأنينة والأمان، كما تساهم في كسر الصور النمطية التي يُنتجها المجتماعات الخارجية عن بلد، كل شعبه يحب الحياة. وتساعد هذه الزيارة في تخفيف من حدّة "الهويات الدفاعية"، حيث تميل كثير من الجماعات أحياناً إلى الانغلاق عندما تشعر بأن معتقداتها مهدّدة. أمّا رؤية رمز ديني مباركة، ستعزز عند اللبنانيين أجمعين الهوية الإيجابية والانفتاح على الآخر.
ولا يمكن أن ننسى، بأنّ وجود البابا على الاراضي اللبنانية سيعزز لدى الأطفال والمراهقين، الإحساس بالانتماء والاستقرار النفسي. كما تلعب هذه الزيارة دوراً محورياً في تخفيف التوترات السياسية، عبر إرسال رسائل مباشرة بأن الحوار ممكن، وأن التعايش ليس مجرد شعار بل خيار واقعي خاصة بأنّ في برنامج البابا، لقاءات وحوارات حول التعايش المشترك والمشاركة.
ومن منظور الصحة النفسية الجماعية، تساهم هذه الزيارة في نشر حالة من التفاؤل والأمل في المجتمع اللبناني الذي أنهكته النزاعات أو الانقسامات أو الإختلافات في وجهات النظر. فتأتي هذه الزيارة الدينية كرسالة بأنه حان الأوان أن يجتمع اللبناني مهما كان إنتمائه الديني والسياسي والفكري... تحت راية الوطن. فهي تفتح نافذة للتفكير في القيم المشتركة بين الطوائف الكريمة الموجودة على الأراضي اللبناينة، وتُعيد التأكيد على دور رجال الدين كجسور للتواصل لا كحدود فاصلة.
كما التجمعات الدينية الكبرى تعمل مثل التنفيس العاطفي Catharsis حيث سيشعر اللبناني بأنه جزء من جماعة ينتمي إليها فتتقلص مشاعر الوحدة والخوف لديه كما سترتفع لديه مشاعر الانتماء.