تجاوزت مراسم الاستقبال البروتوكول المعتاد للزيارات الرسمية: عزفت فرقة من مشاة البحرية الأميركية، بينما حمل ضباط على ظهور الخيل العلمَين السعودي والأميركي، وحلّقت مقاتلات متقدّمة فوق البيت الأبيض بتشكيل على شكل حرف V. صافح ترامب الأمير محمد، وربّت على ظهره قبل أن يتوجّها معاً إلى الداخل.

وصل الأمير محمد إلى البيت الأبيض بعد أن حقق بعضاً من أهدافه بالفعل: أعلن ترامب، أول أمس، أنّه ينوي بيع المملكة مقاتلات F-35 - مثل تلك التي ظهرت في الاستعراض الجوي الذي رافق وصول ولي العهد - على رغم من المخاوف التي أثارها البنتاغون بشأن المخاطر المرتبطة ببيع هذه التكنولوجيا لحليف تربطه شراكة أمنية مع الصين.

تمثل الزيارة تحوّلاً دبلوماسياً لافتاً للأمير، الذي لم تطأ قدماه الأراضي الأميركية منذ عام 2018. وتعامل معه ترامب كشريك تجاري. قبل الزيارة، كان هناك عدد من الاتفاقيات الأميركية-السعودية قيد التنفيذ، بما في ذلك اتفاق يتعلّق بالذكاء الاصطناعي، معاهدة دفاع متبادل، واتفاقية تمنح السعودية في نهاية المطاف إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا النووية الأميركية.

من جانبه، يستعد ترامب إلى الترويج لتفاصيل وعد سابق من المملكة بالاستثمار بنحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، وهو الاتفاق الذي أعلن عنه البيت الأبيض عندما زار الرئيس الرياض في أيار.

الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية

يستعد الزعيمان لتوقيع اتفاقيات لتعزيز قطاع الذكاء الاصطناعي في السعودية، عبر الاستثمار في التكنولوجيا الأميركية، بالإضافة إلى المضي قدماً في اتفاق يسمح في نهاية المطاف للمملكة بتطوير طاقة نووية، ما قد يُمهِّد الطريق للسماح لها بتخصيب اليورانيوم.

أعمال عائلية

هذا الأسبوع، أعلنت منظمة ترامب وشريكها السعودي في التطوير «دار الأركان» عن مشروع جديد، يسمح لمستثمري العملات المشفّرة بشراء حصص في مشاريع عقارية تحمل علامة ترامب، باستخدام رموز رقمية يمكن تداولها عبر منصة «بلوكتشين». ويُدير جاريد كوشنر، صهر الرئيس، شركة أسهم خاصة، تلقّت مليارَي دولار من صندوق يقوده ولي العهد.

استقبال بساط أحمر

وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض مطَّلع على التحضيرات، تحدّث شرط عدم الكشف عن هويّته، فإنّ الأمير محمد لا يتلقّى زيارة دولة لأنّه ليس رئيساً للدولة، إذ يحمل والده الملك سلمان بن عبد العزيز هذا اللقب. ومع ذلك، تأتي الزيارة بكل مظاهر زيارة دولة. أقيم للأمير محمد عشاء رسمي بربطة عنق سوداء في البيت الأبيض، بحضور رجال أعمال ونواب. واليوم، سيرافق ترامب إلى مؤتمر للاستثمار في الأعمال بواشنطن.

خرج ترامب من البيت الأبيض لاستقبال بن سلمان على الحديقة الجنوبية. يُحيط به عناصر من مشاة البحرية ومسؤولون في البيت الأبيض وأعضاء من الوفد السعودي. علماً أنّ هذه المراسم أكثر تفخيماً من تلك التي تُقام عادة لزيارات رسمية.

وأطلع ترامب ولي العهد على التعديلات الجمالية التي أجراها على الرواق قرب حديقة الورود. توقف ليُري الأمير جداراً يضمّ صوراً رئاسية، بما في ذلك صورة لتوقيع آلي معلقة في المكان الذي كان سيُعلّق فيه صورة الرئيس جو بايدن.

صفقات عسكرية وإسرائيل

يجب أن تتغلّب رغبة ترامب في بيع التكنولوجيا العسكرية الأميركية على عقبات الإنتاج والحصول على موافقة الكونغرس. (من المتوقع أن يلتقي الأمير محمد بقادة الكونغرس، بمَن فيهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون، خلال تواجده في واشنطن). قد يواجه ترامب انتقادات من حلفاء آخرين، وعلى رأسهم إسرائيل، بسبب استعداده لبيع تكنولوجيا عسكرية متقدّمة للسعوديِّين. وهناك أيضاً مخاوف من احتمال حصول الصين على هذه التكنولوجيا.

قد يعاود مسؤولو إدارة ترامب - المنتشون بالهدنة التي تمّ التوصّل إليها بين إسرائيل و»حماس»، وموافقة مجلس الأمن الدولي على خطة ترامب للسلام في غزة - التعبير عن رغبتهم بانضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، وهي سلسلة اتفاقيات دبلوماسية طبّعت العلاقات بين إسرائيل و3 دول عربية خلال الولاية الأولى لترامب. من المؤكّد أن تُرفض هذه المقترحات حالياً من قِبل ولي العهد، الذي لم يتأثر بطبيعة وقف إطلاق النار الهش في غزة.

أثارت خطة الرئيس ترامب لبيع طائرات F-35 للسعودية قلقاً في إسرائيل، الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يُعرَف أنّها تملك هذه المقاتلات الشبحية المتقدّمة، ما يمنحها تفوّقاً على جيرانها. لكن لم يردّ مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فوراً على طلب للتعليق على هذه الصفقة المحتملة. لكنّ نواب المعارضة سارعوا إلى إلقاء اللوم على نتنياهو، معتبرين أنّه فشل في الضغط بنجاح على إدارة ترامب لثَنيِها عن هذه الصفقة.