أحداث طرابلس تُنهي 7 أيار و14 تستعيد المبادرة
أحداث طرابلس تُنهي 7 أيار و14 تستعيد المبادرة
شارل جبور
جريدة الجمهورية
Friday, 25-May-2012 01:27
إنّ أخطر ما في أحداث 7 أيّار 2008 أنّها ضربت التوازن الذي نشأ في العام 2005 بين سلطة الدولة وسلطة الأمر الواقع التي تمكّنت في مرحلة أولى من تعطيل العمل الحكومي بواسطة الثلث المعطّل الذي أُقرّ في الدوحة وصولاً إلى قيام حكومة اللون الواحد.
فالانتفاضة المضادة على انتفاضة الاستقلال التي بدأت بعد حرب تمّوز 2006 راحت تحقّق أهدافها العمليّة اعتباراً من أحداث السابع من أيّار وقد توّجت بإخراج 14 آذار من السلطة عنوة بعد أن تأكّدت أنّ الظروف الخارجية باتت مؤاتية لإنهاء حال المساكنة وإعادة الإمساك بمفاصل السلطة.

ولكن على رغم أنّ الثورة السورية أخرجت النظام السوري من معادلة التأثير اللبنانية، إلّا أنّ توازن القوى في لبنان الطابش لمصلحة "حزب الله" لم يتأثر بالمشهد السوري باستثناء أنّ الثلاثي ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط الذي غطّى الإنقلاب الدستوري عاد ليعطّل على الحزب فرصة الاستفادة من مغانم السلطة، محوّلاً الحكومة الميقاتية إلى حكومة تصريف أعمال.

وهذا الوضع كان مرشّحاً للاستمرار حتّى الانتخابات النيابيّة لولا الأحداث الطرابلسيّة المفتعلة، والتي جاءت نتائجها خلافاً لإرادة العقل المخطّط الذي كان ينوي إخضاع طرابلس لضرب ديناميّة الثورة السورية في لبنان على غرار إخضاع بيروت وضرب ديناميّة انتفاضة الاستقلال، غير أنّ ردة الفعل السنّية لم تكن في الحسبان، الأمر الذي أدّى إلى كسر الستاتيكو وفتح الباب أمام مرحلة سياسيّة جديدة.

فالمشترَك بين محطتي 7 أيّار وطرابلس أنّهما أدّيا إلى كسر الستاتيكو القائم مع فارق أنّ مؤدياتهما متناقضة كليّاً، إذ إنّ الأحداث التي أعقبت المحطة الأولى صبّت في خانة 8 آذار، فيما الأحداث التي ستلي المحطة الثانية ستصب في خانة 14 آذار من زاوية تصحيح الخلل في المشهد السياسي الذي لا يُمكن تصحيحه إلّا بإسقاط الحكومة التي فقدَت كل مبررات وجودها من الغطاء السوري وغضّ النظر العربي إلى الهدنة الداخلية.

ومن هنا، فإنّ الردّ العملي لقوى 14 آذار على تغيير سوريا قواعد الاشتباك جاء تغييراً أيضاً من قبلها لقواعد اللعبة عبر الذهاب نحو إسقاط الحكومة، مستفيدةً من اللحظة الحالية التي يصعب تكرارها من وضع سنّي داخلي مستنهض معطوفاً على وضع سنّي خليجيّ معبأ زائد وضع دولي مهيّأ، والأهم أنّ هذه القوى قرّرت المواجهة متخلّية عن الوضعية الانتظارية التي كادت تفقدها دورها وحضورها وتأثيرها وحتى مبرّر وجودها، لأنّ الحياة لا تحتمل الفراغ أولاً، ومن ثمّ من غير المسموح لأوّل حركة شعبية في العالم العربي أن تتقاعد قبل تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها.

ولكن من هنا إلى أين؟ كلّ مكونات الحركة الاستقلالية تؤكّد أنّ ما قبل لقاء "بيت الوسط" لن يكون كما بعده، وأنّ هذه المكونات لن تكون في موقع المتفرّج على إعادة سوريا تجديد الحرب الأهلية، وستفعل المستحيل لتعطيل المسعى السوري التخريبي. وتكشف هذه المكوّنات أنّ عودة الرئيس سعد الحريري باتت أقرب من أيّ وقت مضى، وهي مصمّمة على استكمال المواجهة من موقع وطني لا فئوي أو مذهبي، لأنّه على رغم الأهداف المبيّتة الكامنة وراء أحداث طرابلس وعكّار لضرب البيئة الحاضنة للثورة السورية لا يجوز تحويل المواجهة الوطنية إلى مواجهة بين السنة والشيعة، كون الخاسر الأكبر في هذه الحالة سيكون لبنان.

وبالتالي تكمن الأولوية في إعادة وضع الصراع في إطاره الوطني الطبيعي، أي بين مشروعين وخطّين وثقافتين، وعلى هذا الأساس توجّهت 14 آذار بـ"نداء إلى اللبنانيين" أعادت من خلاله استرداد المبادرة وتصويب المواجهة السياسية: حكومة إنقاذية حياديّة، شبكة أمان وطنيّة وعدم السماح بـ"انزلاق لبنان في حرب أهلية"...
theme::common.loader_icon