واشنطن ترفض إعفاء المجر من عقوبات النفط المفروضة على روسيا
واشنطن ترفض إعفاء المجر من عقوبات النفط المفروضة على روسيا
د. خالد العزّي
Saturday, 08-Nov-2025 07:22

في خطوة مثيرة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّ المجر طلبت إعفاءً من العقوبات الأميركية المفروضة على إمدادات النفط الروسي، لكنّ واشنطن لم تمنح موافقتها على هذا الطلب.

 

يوم 31 تشرين الأول، أوضح ترامب أنّ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تواصل مع الإدارة الأميركية بشأن هذا الطلب، مشيراً إلى أنّ بودابست تأمل في الحصول على إعفاء من العقوبات التي تحظّر شراء النفط والغاز من روسيا، وأنّها لا تجد بديلاً للنفط الروسي.

 

يأتي هذا الطلب في وقت حساس، إذ تشهد العلاقات الدولية تحوّلات جيوسياسية كبيرة بسبب استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وأزمة الطاقة التي تؤثر على أوروبا. ومع هذه التحدّيات، رفضت واشنطن منح المجر هذا الإعفاء، ممّا يُثير تساؤلات حول الأسباب وراء هذا القرار، الذي يرتبط بخلفيات استراتيجية ودوافع سياسية تتعلّق بالعلاقات مع روسيا، والدور الذي تلعبه المجر في السياسة الأوروبية.

 

رفضت الولايات المتحدة طلب المجر لعدة أسباب استراتيجية وسياسية، التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

 

الضغط على روسيا

منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في شباط 2022، اتخذت الولايات المتحدة موقفاً حازماً ضدّ روسيا، ففرضت عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على موسكو، بهدف الضغط عليها للحدّ من قدرتها على تمويل الحرب. وتشمل العقوبات جميع القطاعات الرئيسة للإقتصاد الروسي، وعلى رأسها قطاع الطاقة الذي يُعَدّ المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة الروسية. وتقديم إعفاءات لأي دولة يشمل النفط الروسي قد يُضعف من فعالية هذه العقوبات، ممّا يُقلّل الضغط الدولي على موسكو.

 

تعزيز وحدة التحالف الغربي

 

ترى الولايات المتحدة أنّ فرض العقوبات الجماعية على روسيا هو جزء من استراتيجية تضامن غربي. فإذا سمحت واشنطن للمجر بالحصول على إعفاء، فإنّ هذا قد يُحدِث تبايناً في موقف الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أنّ بعض الدول الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا وفرنسا، قد تدفع أيضاً نحو مزيد من التخفيف في العقوبات على روسيا بسبب تبعات الطاقة على اقتصاداتهم. إذاً، إنّ السماح للمجر بالاستفادة من الإعفاء يُؤدّي إلى فتور في التضامن الغربي، ويُشجّع دول أخرى على التفاوض على إعفاءات مماثلة، ممّا يُضعِف تأثير العقوبات بشكل عام.

 

الإلتزام بالعقوبات الأميركية

الولايات المتحدة تعتبر العقوبات الاقتصادية أداة رئيسة في سياستها الخارجية، خصوصاً في سياق العقوبات المفروضة على روسيا. وإعفاء المجر قد يُشير إلى تراجع واشنطن عن التزامها الثابت بموقفها تجاه روسيا، ويُعتبر نوعاً من التنازل في وقت حساس يتطلّب مزيداً من الحزم.

 

كما أنّ من شأن هذا أن يُرسل رسالة إلى حلفاء آخرين، بأنّ العقوبات الأميركية ليست ثابتة وأنّه يمكن التفاوض على إعفاءات، ممّا قد يضرّ بصدقية السياسة الأميركية على المدى البعيد.

 

تحدّي المجر للسياسة الأوروبية

في السابق كانت المجر جزءاً من الجبهة الأوروبية الموحّدة ضدّ روسيا، لكن تحت قيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، بدأت تبنّي مواقف أكثر مرونة تجاه موسكو، بما في ذلك تحفّظات بشأن تأييد العقوبات الأوروبية ضدّ روسيا. هذا التوجّه قد يُعتبَر تحدّياً لسياسة الاتحاد الأوروبي، ما دفع الولايات المتحدة إلى رفض طلب المجر بالإعفاء من العقوبات. ويمكن أن يُفهم الرفض الأميركي كرسالة مفادها أنّ المجر لا يمكنها الاستمرار في تبنّي سياسة «الحياد» أو التغاضي عن التزاماتها الغربية في مواجهة التحدّيات الأمنية والاقتصادية.

 

هذا الرفض يسعى إلى الضغط على بودابست لتغيير سياستها الداخلية والخارجية، خصوصاً في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية، وهي قضايا كانت مصدر صراع مستمر بينها وبين الاتحاد الأوروبي.

 

ومن خلال هذا الموقف، ترغب واشنطن في تحفيز المجر للإلتزام بشكل كامل بالعقوبات الأوروبية والعالمية ضدّ روسيا وعدم التراجع عنها، بينما تُظهر أهمّية التوازن بين سياسات الطاقة والموقف السياسي الأوسع المتعلّق بالقِيَم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

دور الطاقة في الأزمة العالمية

على رغم من أنّ المجر تعاني من أزمة طاقة بسبب اعتمادها الكبير على النفط والغاز الروسي، فإنّ واشنطن ترى أنّ مسألة الطاقة هي قضية يمكن التعامل معها على المدى الطويل عبر تنويع مصادر الطاقة.

 

وبينما تأمل المجر في الحصول على إعفاءات للنفط الروسي، فإنّ الولايات المتحدة تُشجّع حلفاءها على الابتعاد عن الوقود الأحفوري الروسي واستبداله بمصادر طاقة بديلة ومستدامة. كما أنّ واشنطن ترى أنّ الضغط على الدول الأوروبية لاستبدال الإمدادات الروسية يمكن أن يُسرّع عملية الانتقال إلى الطاقة المتجدّدة، ويساعد في تقليل الاعتماد على روسيا بشكل دائم.

 

إظهار القوّة أمام الصين وروسيا

سياسة العقوبات هي جزء من التنافس الجيوسياسي المستمر بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. فإذا سمحت واشنطن للمجر بالحصول على إعفاء من العقوبات على النفط الروسي، قد يظهر ذلك ضعفاً في القدرة على فرض عقوبات فعّالة، بالتالي يُضعف مكانتها في الصراع الجيوسياسي. ولذلك، لا ترغب واشنطن في إرسال إشارات ضعف لمنافسَيها الدوليَّين.

 

الإلتزام بسياسات واشنطن تجاه الحلفاء

كانت الولايات المتحدة دائماً ملتزمة بتوجيه حلفائها في الاتحاد الأوروبي نحو اتخاذ مواقف موحّدة بشأن العقوبات على روسيا. فإذا سمحت واشنطن للمجر بالإعفاء من هذه العقوبات، فإنّ ذلك قد يُشجّع دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل استثناءات مماثلة، ممّا يُقوّض وحدة المواقف الغربية. فمن خلال رفض الطلب، تسعى واشنطن إلى الحفاظ على تماسك التحالف الغربي لمواجهة التهديدات الروسية.

 

إذاً، رفض إعفاء المجر من عقوبات النفط المفروضة على روسيا، لا يتعلّق فقط بمسألة الطاقة أو المصالح الاقتصادية، بل يتعدّى ذلك إلى تعزيز الوحدة الغربية ضدّ روسيا، والضغط على الدول التي قد تتراجع عن التزاماتها الدولية، فضلاً عن التمسّك بمواقف استراتيجية تتماشى مع الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية الأوسع لواشنطن في مواجهتها مع موسكو وبكين.

 

theme::common.loader_icon