أخصائية تغذية
تحذّر دراسة علمية حديثة من خطر جديد غير متوقّع لتلوث الهواء، إذ يتجاوز تأثيره المعروف على الرئتَين والقلب ليطال صميم الصحة الأيضية، أي قدرة الجسم على حرق السكر والدهون.
كشفت الدراسة التي نُشرت في 23 أيلول 2025، أنّ الجزيئات الدقيقة في الهواء (PM2.5)، التي لا تُرى بالعين المجرّدة وتخترق الرئتَين والدم، تُحدث خللًا في نوع من الدهون يُعرف بالدهون البنّية، وهي المسؤولة عن حرق الطاقة وتوليد الحرارة في الجسم. على عكس الدهون البيضاء التي تُخزن الطاقة، تعمل الدهون البنية كفرن حيَوي يحافظ على توازن الوزن ومستويات السكّر في الدم.
لكنّ الدراسة أظهرت أنّ التعرّض المستمر لجزيئات التلوّث يُربك برمجة هذه الخلايا عبر تغييرات وراثية لاجينية، أي في طريقة تشغيل وإطفاء الجينات، ممّا يُعطّل نشاط جينات رئيسة مثل HDAC9 وKDM2B.
نتيجة ذلك، تتراجع كفاءة الدهون البنّية في حرق الدهون ومقاومة الإجهاد التأكسدي، فتتراكم الدهون داخل الأنسجة ويحدث تلف يؤدّي إلى مقاومة الأنسولين، الممر المباشر إلى السمنة والسكّري من النوع الثاني.
في لبنان.. خطورة مضاعفة
في لبنان، يكتسب هذا الاكتشاف خطورة مضاعفة بسبب ارتفاع نسب التلوّث الناتجة من المولدات الكهربائية الخاصة، التي تبث تركيزات عالية من PM2.5 داخل الأحياء، فضلاً عن السيارات القديمة والازدحام المروري الذي يفاقم الأزمة.
بذلك، لا يُهدّد التلوّث اللبناني الجهاز التنفّسي فحسب، بل يجعل عملية إنقاص الوزن وتنظيم سكّر الدم معركة بيولوجية معقّدة. ولمواجهة هذا «التلوّث الأيضي»، توصي الدراسة باستراتيجية ثلاثية الأبعاد:
أولاً، الحَدّ من التعرّض البيئي عبر تجنّب ممارسة الرياضة قرب الطرق المزدحمة في أوقات الذروة، واستخدام أجهزة تنقية الهواء (HEPA) في المنازل، والمطالبة بسياسات تدعم النقل النظيف والمركبات الكهربائية.
ثانياً، الدفاع الغذائي الداخلي من خلال نظام غذائي غني بمضادات الأكسدة مثل فيتاميني C وE، الخضار الورقية الداكنة، التوت والمكسرات، بالإضافة إلى الألياف التي تُحسّن حساسية الأنسولين وتدعم صحة الأمعاء.
ثالثاً، تنشيط الدهون البنية طبيعياً عبر التعرّض المعتدل للبرد أو الاستحمام بالماء البارد، وممارسة التمارين المنتظمة التي تُحفّز الأنسجة الأيضية وتساعد الجسم في مقاومة آثار التلوث.
تلوّث الهواء لم يعد مجرّد خطر على الرئة، بل عامل خفي يُعيد تشكيل الطريقة التي يحرق بها الجسم السكر والدهون. في عالم يزداد فيه التلوّث، حماية الأيض أصبحت واجباً صحياً لا يقلّ أهمية عن حماية التنفّس.