هل يجب أن «تُطعِم الزكام وتُجوّع الحمّى»؟
هل يجب أن «تُطعِم الزكام وتُجوّع الحمّى»؟
Saturday, 25-Oct-2025 06:48

منذ أجيال، يتداول الناس نصيحة شعبية مفادها أنّ المُصاب بالزكام عليه أن يأكل جيّداً، بينما يجب على مَن ترتفع حرارته أن يُقلِّل طعامه. لكن هل لهذه المقولة أساس علمي؟

يؤكّد الأطباء أنّ هذه النصيحة لا تستند إلى أي دليل. ويشرح الدكتور ديفيد شنايدر، رئيس قسم الطب العائلي والمجتمعي في مركز تكساس ساوث ويسترن الطبي في دالاس، أنّها على الأرجح مجرّد «خرافة قديمة». فالعلم الحديث لم يجد ما يربط بين كمّية الطعام وسرعة التعافي من المرض، سواء كان زكاماً أو حمّى.

 

المنطق العلمي وحده يكفي لنسف الفكرة. فكما يوضّح الدكتور بنجامين هاريل، أستاذ التغذية والمناعة في جامعة كاليفورنيا، قد يصاب المرء بزكام وحمّى في الوقت عينه، فكيف يمكن «إطعام الزكام» و»تجويع الحمّى» معاً؟

 

العلاقة الحقيقية بين الغذاء والمناعة أكثر تعقيداً الجسم يحتاج إلى تغذية متوازنة ليحافظ على قدرته الدفاعية. وتوضّح الدكتورة غيتا سود، أستاذة الطب في جامعة جونز هوبكنز، أنّ الأشخاص الذين يعانون من سوء تغذية مزمن أو من نقص حاد في بعض العناصر الغذائية يكونون أكثر عرضة للإصابة بالالتهابات، مثل الالتهاب الرئوي أو التهابات الجهاز الهضمي، لأنّ أجسامهم تُنتج خلايا مناعية أقل.

 

لكن هذا لا يعني أنّ تناول أطعمة معيّنة أثناء المرض سيُسرّع الشفاء. فبحسب سود، «لا توجد أدلة قوية تشير إلى أنّ ما تأكله أثناء الزكام أو الحمّى يُغيّر مسار المرض».

 

ما ينصح به الأطباء ببساطة هو تناول أطعمة مغذية وخفيفة (فواكه، خضروات، وحساءات دافئة) لتزويد الجسم بالطاقة، خصوصاً أنّ الحمّى ترفع استهلاك الطاقة. أمّا إذا فقدت الشهية ليوم أو يومَين، فلا ضرر كبيراً، فالجسم يستطيع الاعتماد موقتاً على مخزونه من الطاقة، لكن إذا رافق ذلك ضعف شديد، يجب مراجعة الطبيب.

 

دراسات تثبت وأخرى تنفي

 

أمّا المكمِّلات الغذائية، مثل الفيتامينات والمعادن، ففعاليّتها محدودة. بعض الدراسات تُظهر أنّ الزنك قد يُقلّل مدة الزكام قليلاً إذا أُخذ في بدايته، لكنّ دراسات أخرى تنفي ذلك. وفي المقابل، لم تُثبت أي دراسة أنّ فيتامين C يمنع الإصابة بالزكام على رغم من شيوع الاعتقاد بذلك.

 

العسل هو الاستثناء اللطيف. فقد بيّنت مراجعة علمية عام 2021 شملت 14 تجربة سريرية أنّ العسل - سواء تناولته مباشرةً أو ممزوجاً بالحليب أو القهوة - يُقلّل من حدّة السعال وتكراره، مقارنةً بالأدوية التقليدية مثل «بنادريل».

 

من جهة أخرى، يلعب مستوى السكّر في الدم دوراً مهماً في مقاومة العدوى. فالأشخاص الذين يعانون من ارتفاع مزمن في السكّر، مثل مرضى السكّري غير المنضبط، يجدون صعوبة أكبر في مقاومة الالتهابات البكتيرية، لأنّ ارتفاع الغلوكوز يوفّر للبكتيريا بيئة مثالية للنمو.

 

الماء.. العلاج الحقيقي

 

أمّا الماء، فهو العلاج الحقيقي. فالجفاف يُضعف كل أجهزة الجسم، والمصاب بالزكام يفقد سوائل إضافية من خلال الإفرازات المخاطية. يوصي الأطباء بشرب ما بين لترَين و4 لترات من السوائل يومياً، مع تجنّب الكحول لأنّه يُسبِّب الجفاف. وعند الحمّى، تزداد الحاجة إلى السوائل بسبب التعرّق وربما الإسهال، ويمكن استخدام مشروبات تحتوي على أملاح ومعادن لتعويض النقص.

 

في النهاية، العلاج الفعلي لأي زكام أو حمّى خفيفة هو الراحة والترطيب. وكما يؤكّد الدكتور مايكل هانك من مركز راش الطبي في شيكاغو: «غالباً ما تشفى بنفسك. ربما الأصح أن نقول: الوقت هو الطبيب الحقيقي».

theme::common.loader_icon