في وقت حاسم من الحرب الروسية- الأوكرانية، تُواصِل الدول الكبرى تحديد مواقفها وحساباتها الاستراتيجية. أحد أبرز النقاط التي أثارت الاهتمام الأسبوع الماضي، هو اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل يوم 15 تشرين الأول 2025، الذي أسفر عن اتفاق لدعم أوكرانيا، وخصوصاً من خلال مبادرة جديدة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
مع هذه الخطوات، يُطرح تساؤل مهمّ: هل أسفر اللقاء بين ترامب وزيلينسكي عن اتفاقية هامة حول تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» بعيدة المدى؟ وما انعكاسات ذلك على مسار الحرب والضغط المتزايد على روسيا؟
دول الناتو: نصفها فقط يُسلّح أوكرانيا والضغوط الاقتصادية على روسيا تزداد
أحد القرارات الرئيسة في اجتماع وزراء دفاع الناتو، كان موافقة أكثر من نصف دول الحلف على توفير الدعم العسكري لأوكرانيا، بشراء الأسلحة من الولايات المتحدة وتوريدها إلى كييف.
في وقت لاحق، أعلن الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، أنّ هذا الدعم سيكون كافياً لدعم أوكرانيا في صراعها مع روسيا. مع ذلك، كان هناك تأكيد على أنّ الحلول العسكرية ليست الخيار الوحيد الذي يعتمد عليه الغرب. بدلاً من ذلك، يبدو أنّ الضغوط الاقتصادية على روسيا قد تكون الخيار الأكثر تأثيراً في المرحلة المقبلة.
العديد من الدول في الناتو بدت متفقة على أنّ ردع روسيا لا يتطلّب نفقات ضخمة على الأسلحة، بل يمكن إنجازه ضمن إطار الموارد العسكرية الحالية. وبالفعل، عبّر روته عن ثقته في أنّ روسيا لا تُشكّل تهديداً بالقدر الذي يُصوَّر في بعض الأحيان، مشيراً إلى التفاوت الكبير بين إمكانات الناتو الاقتصادية وروسيا.
في الوقت عينه، أكّدت رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على ضرورة تعزيز التماسك بين دول الاتحاد الأوروبي في سياستها الخارجية، بما في ذلك تطبيق العقوبات على روسيا.
مبادرة ترامب: سياسة «إجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى» في دعم أوكرانيا
في قلب الاجتماع، كان هناك نقاش حول مبادرة جديدة لدعم أوكرانيا، طرحها ترامب تحت شعار «إجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى». هذه المبادرة تعتمد على فكرة أنّ الولايات المتحدة لا يجب أن تُسلّم الأسلحة مباشرة إلى أوكرانيا، بل تُتيح لحلفاء واشنطن في الناتو شراء الأسلحة الأميركية وتوريدها إلى أوكرانيا.
بينما قد يكون هذا الخيار مفيداً سياسياً لترامب، ويعكس فلسفته في تقليل الإنفاق الأميركي على المشاريع الخارجية، إلّا أنّه قد يُطيل من أوقات التسليم ويخلق صعوبات لوجستية لأوكرانيا. مع ذلك، أظهرت تصريحات وزراء الدفاع في الناتو أنّ هذه الخطوة تحظى بدعم متزايد من الدول الأعضاء في الحلف.
وقد صرّح روته، أنّ أكثر من نصف دول الناتو انضمّت إلى هذه المبادرة، في إشارة إلى الدعم القوي لأوكرانيا. وفي سياق متصل، أوضح روته أنّ عدد الدول التي تشارك في المبادرة من المتوقع أن يرتفع في المستقبل القريب. هذا يُظهر التوجّه العالمي نحو تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا، لكن هل ستكون هذه الجهود كافية لوقف تمدّد القوات الروسية؟ هذا سؤال يظل مفتوحاً على مصراعَيه.
«توماهوك»: سلاح ذو أبعاد استراتيجية
النقطة الأكثر أهمية التي قد تتبلور في الأيام المقبلة هي ما إذا كان اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سينتج منه اتفاق لشراء وتزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» بعيدة المدى. مثل هذه الخطوة ستمنح أوكرانيا قدرة هجومية أكبر، تتيح لها ضرب أهداف روسية في عمق الأراضي المحتلة، ما قد يؤثر على توازن القوى بشكل كبير.
من الواضح أنّ هذا النوع من الأسلحة سيُغيِّر من قواعد اللعبة في الحرب، ويُعزّز من قدرة أوكرانيا على الردّ بشكل أكثر فعالية على الهجمات الروسية.
لكن هل ستكون روسيا قادرة على التصدّي لهذه التهديدات؟ وماذا ستكون تداعيات ذلك على المستوى العسكري والسياسي؟ قد يفضي ذلك إلى تصعيد إضافي في الحرب، إذ قد تُجبَر روسيا على توسيع نطاق هجماتها أو اتخاذ إجراءات دفاعية أكثر تشدّداً.
هل سينتهي الصراع قريباً؟
في سياق هذه التطوّرات، لا يزال هناك سؤال جوهري: هل سيساهم هذا التصعيد في تسريع نهاية الحرب؟ يعتقد ترامب وأنصاره أنّ الصراع الروسي- الأوكراني قد ينتهي بسرعة إذا طُبِّقت استراتيجية أكثر حسماً. في حين أنّ روته كان متفائلاً بأنّ المواقف السياسية والعسكرية الحالية قد تفضي إلى حل قريب، فإنّ الواقع على الأرض في أوكرانيا يظل معقّداً.
وقد يُسرّع تزايد الدعم العسكري من الناتو لأوكرانيا من وقوع المزيد من الاشتباكات والمواجهات العنيفة، ما قد يؤدّي إلى تعميق الاستنزاف الروسي. لكنّ التوترات في أوروبا الشرقية، مع الوضع الداخلي في روسيا، قد ينذِران بمزيد من التصعيد العسكري على المدى الطويل.
في نهاية المطاف، ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد مسار الحرب، وفي إمكانية إحداث تغيّرات جذرية في توازن القوى في المنطقة.
إعادة التفكير في استراتيجيات الغرب
مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتزايد التدخّلات العسكرية من قِبل الناتو والولايات المتحدة، من المهمّ طرح السؤال: هل استراتيجيات الغرب في التعامل مع روسيا ستؤدّي إلى نتيجة مرضية على المدى الطويل؟ هل ستساهم الخطوات العسكرية الحالية في إضعاف روسيا بشكل كبير؟ أم أنّ روسيا ستردّ بتصعيد أكبر قد يقلب الموازين لصالحها؟
من الواضح أنّ الأوضاع في الشرق الأوروبي تظل معقّدة، وأنّ الخيار العسكري لن يكون الحل الوحيد لمواجهة الأزمة الحالية.