عنف الـ"ويك آند" يُظهر هشاشة وقف إطلاق النار في غزة
عنف الـ"ويك آند" يُظهر هشاشة وقف إطلاق النار في غزة
ديفيد م. هالفينغر- نيويورك تايمز
Tuesday, 21-Oct-2025 07:30

بعد مرور 11 يوماً على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس»، بدأ الشعور بالارتياح يتلاشى ليحلّ محله إدراك قاتم لهشاشة الهدنة، وللحاجة إلى استمرار التدخّل الخارجي للحفاظ عليها حيّة، فضلاً عن تحقيق أي تقدّم إضافي.

جولة جديدة من العنف أظهرت مدى صعوبة الطريق نحو اتفاق أوسع في غزة بين الطرفَين، اللذين تبادلا مراراً الاتهامات بخرق الهدنة.

 

أعلن الجيش الإسرائيلي، أنّ مقاتلين فلسطينيِّين أطلقوا صاروخاً مضاداً للدبابات على آلية عسكرية، ما أسفر عن مقتل جنديَّين إسرائيليَّين وإصابة ثالث. ووقع الهجوم في رفح، جنوب غزة، على الجانب الشرقي من خط وقف إطلاق النار الخاضع للسيطرة الإسرائيلية. ووصفت إسرائيل الهجوم بأنّه انتهاك صارخ لشروط الاتفاق، بينما سارع مسؤولون في «حماس» إلى التنصّل منه.

 

وردّت إسرائيل بسرعة عبر قصف مكثف لما وصفته بأنّه مواقع تابعة لـ»حماس»، وأعلنت سلطات غزة، أنّ 44 فلسطينياً قُتلوا في أنحاء القطاع. وردّت إسرائيل بأنّها ستقطع إمدادات المساعدات الإنسانية إلى القطاع إلى أجل غير مسمّى، لكنّها عدّلت لاحقاً هذا القرار، قائلةً إنّ تسليم المساعدات سيتوقف موقتاً فقط إلى أن ينتهي القصف. وبحلول بعد ظهر أمس، عاد تدفّق المساعدات إلى طبيعته، بحسب وكالات الإغاثة.

 

وطالب بتسلئيل سموتريتش، العضو اليميني المتطرّف في الائتلاف الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو، باستئناف فوري ومفتوح للهجوم الإسرائيلي على «حماس».

 

لكنّ الردّ العسكري الإسرائيلي القصير، وإن كان عنيفاً، والتراجع عن تهديد قطع المساعدات إلى غزة، أشارا إلى تأثير كابح من قِبل المسؤولين الأميركيِّين، وفقاً لتحليلات. فقد وصل كل من جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، مبعوثي الرئيس دونالد ترامب، إلى إسرائيل أمس، لمحاولة دفع خطة السلام قُدماً، وفق متحدّثة باسم السفارة الأميركية. كما أعلن نتنياهو أنّ نائب الرئيس جاي دي فانس سيصل إلى إسرائيل اليوم في زيارة نيابة عن الرئيس ترامب.

 

وأوضح نتنياهو في كلمة أمام الكنيست، أمس: «سنناقش أساساً أمرَين: التحدّيات الأمنية التي تواجهنا، والفرص الدبلوماسية التي أمامنا». ورأت شيرا إفرون، المحللة الإسرائيلية في مؤسسة «راند»: «فانس لا يأتي لقيادة الضربات الإسرائيلية ضدّ «حماس» بشكل مشترك».

 

حتى حلفاء نتنياهو من اليمين اتهموه بالرضوخ لضغوط إدارة ترامب، وليس للمرّة الأولى. فكتب الوزير اليميني المتطرّف إيتمار بن غفير على «إكس»: «كفى تراجعاً».

 

كانت هجمات الأحد أعنف موجة قصف إسرائيلية على غزة منذ بدء وقف إطلاق النار الهش. وقد خرقت هجمات أخرى الهدوء أيضاً. وكشف الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي، أنّه أطلق النار على سيارة في شمال غزة، موضحاً أنّ السيارة تجاوزت خطاً فاصلاً انسحبت إليه القوات الإسرائيلية منذ وقف إطلاق النار، وهو ما يُعرف بـ»الخط الأصفر». ووفقاً لمسؤولين في غزة، قُتل 9 أشخاص بينهم أطفال.

 

وأضافت إفرون: «الإسرائيليّون غاضبون جداً لمقتل جنديَّين، لكن ليس كأنّه لم تقع وفيات لمدنيِّين في غزة خلال الأسبوع الماضي. لدى كلا الجانبَين ذرائع للقول إنّ وقف إطلاق النار قد انتُهِك. ما يُبقي المفاوضات مستمرّة هو النفوذ الذي يفرضه ترامب والوسطاء». وليس الضغط مقتصراً على الحكومة الإسرائيلية. فبعد أن سلّمت «حماس» جثث 4 رهائن فقط من أصل 28 يُعتقد أنّهم ما زالوا في غزة، نقل وسطاء من مصر وقطر وتركيا معلومات استخباراتية إسرائيلية عن أماكن آخرين، في محاولة لدفع الحركة إلى استعادة المزيد، بحسب مسؤولين أميركيِّين. وحتى يوم الأحد، كانت «حماس» قد سلّمت جثث 12 أسيراً.

 

وبينما تبرّأت «حماس» من هجوم رفح، أكّد جناحها العسكري «التزامه الكامل» بتنفيذ وقف إطلاق النار، حتى إنّه كشف أنّه فَقَد الاتصال بمقاتليه في رفح منذ شهر آذار، ولا يُعرَف ما إذا كان أيّ منهم لا يزال على قَيد الحياة.

 

كان هذا الاعتراف أحد العوامل التي كشفت هشاشة الهدنة: فإذا كانت «حماس» عاجزة فعلاً عن السيطرة على إحدى وحداتها القتالية، فقد تعجز عن فرض وقف إطلاق النار من جانبها بالكامل، ما يجعل من غير المرجّح أن تنفّذ إسرائيل انسحاباً كاملاً.

 

وأوضح تامير هايمان، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الذي يرأس حالياً «معهد دراسات الأمن القومي» في تل أبيب، أنّ عودة جميع الرهائن الأحياء قد منحت الجيش الإسرائيلي حرّية أكبر في الردّ على «حماس» بقوّة، في أي زمان ومكان يختاره، من دون خَوف من إيذاء مواطنين إسرائيليِّين.

 

وعلى رغم من أنّ العنف بدا أنّه يقتصر على جولة واحدة محدودة، يتوقّع محلّلون جولات مماثلة أخرى قريباً. وأضاف مايكل ميلشتاين، المحلّل في «مركز موشيه دايان» بجامعة تل أبيب والخبير السابق في الشؤون الفلسطينية في الجيش الإسرائيلي، إنّه يتوقع أن تواصل «حماس» اختبار إسرائيل لترى كيف ستردّ، مشيراً إلى أنّ الخط الأصفر الفاصل بين المناطق الخاضعة لإسرائيل وتلك التي تسيطر عليها «حماس»، غير محدّد بوضوح ويصعب على سكان غزة الالتزام به.

 

ومع ذلك، رأى محللون إسرائيليّون، أنّ التحدّي المتمثل في الحفاظ على وقف إطلاق النار يتضاءل مقارنةً بتحدّي المضي قدماً في خطة السلام التي يقودها ترامب، خصوصاً أنّ تنفيذها يتطلّب من «حماس» أن تنزع سلاحها، أي أن تتخلّى عن كامل أيديولوجيتها القائمة على المقاومة المسلحة.

 

ويرى هايمان أنّ «حماس» تحاول زرع الخوف واستعادة هيمنتها في غزة، مشيراً إلى عمليات الإعدام التي نفّذها مسلحوها بحق 8 من خصومهم في شارع مزدحم الأسبوع الماضي: «بهذا الفعل، تُصبح «حماس» أقوى، ويزداد الأمر صعوبة عندما تحاول نزع سلاحها. الرغبة لدى الدول العربية أو الغربية في الانخراط بعمق في عملية نزع السلاح تتضاءل ساعة بعد ساعة».

 

وأكّد ميلشتاين، أنّ الأسبوع الماضي علّم الإسرائيليِّين درساً غير سارّ بشأن «حماس»: «من الصعب على كثير من الإسرائيليِّين الاعتراف بذلك، لكنّها لم تُهزَم. لا تزال موجودة، وهي اللاعب المُهَيمن في غزة».

theme::common.loader_icon