قادة سوريا الجدد يلتقون عدواً سابقاً.. روسيا
قادة سوريا الجدد يلتقون عدواً سابقاً.. روسيا
كارلوتا غال - نيويورك تايمز
Thursday, 16-Oct-2025 07:23

يقوم الرئيس السوري أحمد الشرع بأول زيارة له إلى موسكو، التي كانت قد دعمت النظام الذي أطاحت به قواته المتمرّدة. كلا الجانبَين لديهما أسباب لتجاوز الماضي.

في بلدة حميميم السورية، كانت المتاجر - من صالونات الحلاقة إلى أكشاك الكباب وورش الميكانيك - تحمل لافتات باللغة الروسية. لكنّ معظمها كان مغلقاً في صباحٍ حديثٍ هناك.

 

أكّد صاحب مقهى، أنّ الجنود من القاعدة الجوية الروسية القريبة لم يعودوا يزورون البلدة. بعد 10 أشهر من سقوط حليفها، الرئيس المستبد بشار الأسد، بات نفوذ روسيا في سوريا بالكاد يُرى. فقد غادر معظم جنودها، وتُركت القواعد ومشاريع الاستثمار التي أنشأتها خلال عقدٍ من التدخّل العسكري مهجورة إلى حدٍّ كبير.

 

سمح الشرع، الذي قاد القوة المتمرّدة الإسلامية التي أطاحت بنظام الأسد ونسفت مصالح روسيا في المنطقة، لموسكو بالحفاظ على وجود محدود في سوريا بدلاً من طردها بالكامل. وأمس، كان يقوم بأول زيارة له إلى موسكو بصفته رئيساً، للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، خصمه السابق.

 

وأوضحت أصلِي أيدنتاشباش، الباحثة في معهد بروكينغز بواشنطن: «مع الشرع، نرى بوضوح البراغماتية تتقدّم على الأيديولوجيا. فلا سبب لديه ليخلق عدواً جديداً، وهو يحاول البقاء في هذه المنطقة الجغرافية».

 

بالنسبة إلى كثير من السوريِّين، بمَن فيهم المتمرّدون السابقون الذين يُديرون البلاد اليوم واللاجئون العائدون بعد سنوات، لا توجد أي مشاعر ودّ تجاه روسيا. فهي التي دعمت دكتاتورية الأسد الوحشية لعقود، وتدخّلت مباشرةً في الحرب الأهلية التي دامت 13 عاماً، وشنّت غارات جوية مدمّرة على المدن والقرى السورية.

 

في اتصالاتٍ سابقة مع المسؤولين الروس، طالب قادة سوريا الإسلاميّون بأن يُسلَّم بشار الأسد، الذي لجأ إلى موسكو، لمحاكمته بتُهَم جرائم حرب، وأن تدفع روسيا تعويضات حرب.

 

لكنّ سوريا، التي تواجه ضغوطاً من جيرانها والقوى الكبرى، تواجه تحدّياتٍ أمنية واقتصادية كثيرة، قد تدفع الشرع إلى تقديم تنازلات. فأولوياته هي التفاوض لإنهاء العقوبات الدولية وتخفيف الفقر المدقع في البلاد، مع منع التدخّلات الخارجية، فيما يسعى إلى ترسيخ سلطته وتأمين حدود سوريا.

 

وأوضحت روسيا أنّها تريد الحفاظ على قواعدها الجوية في حميميم والقاعدة الأصغر في مدينة القامشلي، ومواصلة استخدام ميناء طرطوس على الساحل المتوسطي، بحسب محلّلين. معاً، تشكّل هذه النقاط مواقع التوقف الوحيدة لروسيا في شرق البحر المتوسط لطائراتها وسفنها المتجهة من وإلى إفريقيا.

 

رفض مسؤولو وزارة الخارجية السورية التعليق على خطط الحكومة بشأن علاقاتها مع روسيا. لكنّ محلّلين سياسيِّين وساسة سوريِّين، يعتقدون أنّ موسكو لم تعُد في موقع يسمح لها بفرض شروط.

 

وتؤكّد أيدنتاشباش: «الواقع أنّ روسيا لا تزال في سوريا، لكن مع كدمة بنفسجية كبيرة تحت عَينها». وبحسب ضباط أمن سوريِّين يحرسون نقاط التفتيش قرب حميميم وطرطوس، بات على العناصر الروس إخطار جهاز الأمن الداخلي السوري مسبقاً بتحرّكاتهم، ولا يُسمَح لهم بالسفر إلّا تحت مرافقة سورية.

 

كانت روسيا تُسيطر سابقاً على القاعدة البحرية في طرطوس، لكنّها اليوم لا تستطيع استخدام سوى رصيفٍ واحد عندما يَسمح السوريّون بذلك، بحسب عبد الثالجي، المحلّل السوري المستقل المقيم في أوروبا. وأضاف، أنّ غواصة روسية كانت ترسو في طرطوس باتت الآن تمكث في الجزائر وليبيا، وأنّ السفن العسكرية التي ترافق الشحنات الروسية إلى سوريا ترسو قبالة سواحل مصر، وفق متابعته لحركة الملاحة.

 

وبعدما ألغت الحكومة السورية عقد روسيا لإدارة ميناء طرطوس، وقّعت هذا الصيف اتفاقاً مع شركة موانئ دبي العالمية، التي وافقت على استثمار 800 مليون دولار في الميناء، بحسب أحمد خليل، المدير العام للميناء منذ كانون الأول.

 

وأكّد خليل، أنّ حركة الأعمال في الميناء بدأت بالانتعاش منذ أن رفع الرئيس الأميركي ترامب معظم العقوبات الأميركية: «جميع الأرصفة مشغولة ولدينا سفن تنتظر الدخول».

 

كانت هناك مؤشرات إلى استمرار التجارة الروسية مع سوريا، إذ رصد مراسلو «نيويورك تايمز» خلال زيارة في آب، لفائف من الفولاذ الروسي بين البضائع المكدّسة على الأرصفة. كما زوّدت روسيا دمشق بالنفط والقمح بأسعار شبه رمزية، وفقاً لعدد من المحلّلين.

 

وتحتاج سوريا إلى دعم روسيا في مجلس الأمن الدولي في قضايا أمنية وسياسية مهمّة. فمن ناحية، لا يزال الشرع ووزير داخليّته على قائمة العقوبات الأممية التي تستهدف أعضاء من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، بحسب الثالجي. ومن ناحية أخرى، هناك قضية تنفيذ معاهدة الفصل التي أنشأت منطقة عازلة على طول مرتفعات الجولان، وانتهكتها إسرائيل عبر احتلال أراضٍ سورية منذ كانون الأول.

 

ومنذ الإطاحة بالأسد، قصفت إسرائيل مراراً منشآت عسكرية سورية، خشية أن تقع أسلحة النظام القديم في أيدي أطراف معادية لها. كما أنّ إسرائيل تشكّ في قادة البلاد الإسلاميِّين الجدد، وشنّت غارات جوية على مبنى وزارة الدفاع، وسط دمشق، في تموز.

 

في عهد الأسد، ساعدت القوات الروسية في تسيير دوريات على الحدود الجنوبية لسوريا بمحاذاة الجولان. وقد أثار دبلوماسيون احتمال عودة روسيا إلى هذا الدور، لتخفيف التوتر بين إسرائيل والحكومة الجديدة.

 

وبعد أشهر من الاتصالات الهادئة، أرسلت روسيا وفداً رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، كبير مستشاري الطاقة لدى بوتين، إلى دمشق لإعادة ضبط العلاقات.

 

واستقبله ماهر الشرع، شقيق الرئيس، الذي يتحدّث الروسية ومتزوّج من امرأة روسية. ويُعتقد أنّ ماهر الشرع هو المسؤول عن الشؤون الروسية في مكتب الرئاسة. وبعد زيارة نوفاك، زار وفد من وزارة الدفاع السورية مركز تدريب روسي للدفاع الجوي. ولم يتّضح ما إذا كانت هناك اتفاقيات مطروحة على الطاولة.

 

لكنّ أيدنتاشباش كشفت أنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الحليف المقرّب من الرئيس السوري، قد ينصحه، استناداً إلى خبرته، بموازنة مخاطر إغضاب الشركاء الغربيِّين مقابل الفوائد الأمنية والاقتصادية التي قد يحققها من التقارب مع روسيا: «إنّه نهج إردوغان في الموازنة بين القوى الكبرى وفتح الآفاق أمام دولة صغيرة».

theme::common.loader_icon