أفرجت «حماس» عن رهائن ووافقت على الالتزام بوقف إطلاق النار، لكنّ إقناعها بإلقاء السلاح مسألة مختلفة تماماً.
استغرق الإفراج عن رهائن إسرائيل المحتجزين في غزة ووقف الحرب ما يقارب عامَين، وجهوداً مباشرة من الرئيس الأميركي وقادة عدد من الدول العربية والإسلامية. لكن من المؤكّد، أنّ ذلك كان الجزء السهل.
فإقناع «حماس» بالتخلّي عن أسلحتها ونزع الطابع العسكري عن قطاع غزة - وهما شرطان أساسيان لانسحاب إسرائيل الكامل من القطاع، كما أكّد الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو - قد يكون أكثر صعوبة بكثير.
وهناك أيضاً القضايا الأخرى الواردة في الخطة ذات النقاط الـ20 التي طرحها ترامب، وتضمّنت حلاً شاملاً للوضع في غزة. فهذه الخطة دعت، من بين أمور أخرى، إلى إنشاء قوّة دولية للمساعدة في الحفاظ على الأمن داخل القطاع، وجهد طموح لإعادة بناء اقتصاد غزة وبنيتها التحتية، وتشكيل لجنة حُكم فلسطينية موقتة، تخضع أعمالها لإشراف مجلس دولي.
خلال المفاوضات التي سبقت وقف إطلاق النار في غزة، كانت الترتيبات المتعلّقة بمَن سيتولّى إدارة القطاع في «اليوم التالي» لانتهاء الحرب من أعقد وأصعب النقاط، إلى درجة أنّها فُصِلت في النهاية عن محادثات الهدنة، وأُرجئت إلى مرحلة ثانية من المفاوضات.
وحملت المرحلة الثانية شيئاً من التفاؤل في شرم الشيخ، حيث جمع ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عشرات القادة، لمحاولة البناء على الزخم الذي خلقته الهدنة وتبادل الأسرى.
وأعلن ترامب: «لقد بدأت المرحلة الثانية. إنّها السلام في الشرق الأوسط. الجميع قال إنّه مستحيل التحقيق. لكنّه سيحدث». ومع ذلك، وعلى رغم من حفل الانطلاق في شرم الشيخ، لا يزال من غير الواضح حتى الآن متى ستبدأ مفاوضات المرحلة الثانية رسمياً وأين ستُعقد.
ويرى محلّلون إسرائيليّون وفلسطينيّون، أنّ احتمال تعثر الأمور أكبر بكثير من احتمال تنفيذ خطة ترامب بالكامل.
وأقرّ أكرم عطا الله، كاتب العمود الفلسطيني المقيم في لندن، بأنّ «المسألة الأساسية لم تُحل بعد: سلاح «حماس». الإسرائيليّون يُطالبون «حماس» بنزع سلاحها، وهذا ليس إجراءً إدارياً بسيطاً. فـ«حماس» تأسست على أساس حمل السلاح. ما يُطلَب منها فعليًا هو تفكيك أيديولوجيتها».
وبعد وقف الحرب التي قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيِّين ودمّرت معظم أجزاء غزة، رأى عطا الله، أنّ الأجواء الحالية أكثر تفاؤلاً، لكنّه تساءل عن مدى دوام هذا التفاؤل.
ويرى محللون ومسؤولون إسرائيليّون، أنّ النتيجة الأرجح هي أنّ المرحلة الثانية من المفاوضات ستتعثر، وأنّ الوضع القائم سيستمر فترة طويلة حتى يترسخ، مع بقاء «حماس» مسلّحة وامتناع الجيش الإسرائيلي عن الانسحاب الكامل من غزة. وفي هذه الحالة، يتوقعون أن يتعامل الجيش الإسرائيلي مع «حماس» كما يتعامل الآن مع «حزب الله» في لبنان: أي تنفيذ ضربات متفرّقة من بعيد تستهدف مقاتلي «حماس» أو مخازن أسلحتها.
وعلى رغم من تصريحات ترامب المتكرّرة والواضحة، بأنّ الحرب انتهت، فإنّ أي تراجع من أي طرف قد يُهدِّد بتجدّد القتال، بحسب المحلّلين.
وأعلن زوهر بالتّي، المسؤول السابق الرفيع في الموساد ووزارة الدفاع الإسرائيلية: «إذا وقع الآن هجوم إرهابي على أحد مواقعنا، لا سمح الله، وسقط قتلى، فبعد دقيقة واحدة فقط ستنتهي الهدنة».
أمّا نمرود نوفيك، المبعوث الإسرائيلي السابق الباحث في منتدى السياسات الإسرائيلية، فحذّر من تأثير السياسة الداخلية قائلاً: «إذا تبيّن بعد 4 أو 5 أسابيع أنّ المزاج العام في البلاد هو أنّ هذه الحرب كانت جولة رهيبة، لكنّها مجرّد جولة أخرى، وأنّ «حماس» عادت، فيمكنني أن أرى نتنياهو يحاول تصحيح ذلك. كل ما تحتاجه هو استفزاز من «حماس» وردّ إسرائيلي غير متناسب، لتبدأ دوّامة جديدة».
ويعتقد نوفيك، أنّ على قطر وتركيا ومصر، التي لعبت أدواراً رئيسة في التوسط لوقف إطلاق النار، أن «تضغط على حماس لكَيْ لا تستفز». أمّا أعضاء الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو، فيرَون أنّ العبء يقع بالكامل على «حماس». ووصف عدد من المسؤولين اتفاق وقف إطلاق النار حتى الآن بأنّه مجرّد صفقة بسيطة، أعطت فيها إسرائيل نحو نصف غزة مقابل استعادة رهائنها. ولانسحاب إسرائيل من بقية أراضي القطاع، فعلى «حماس» أن تتخلّى عن سلاحها وتسمح لجهة أخرى بتولّي إدارة القطاع.
وأكّد بوعز بيسموث، حليف نتنياهو ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست: «الأمور واضحة جداً. إذا كنت لا تريد أن تكون إسرائيل موجودة هناك، فأنت تعرف تماماً ما عليك فعله. الأمر سهل».
لكنّ قول ذلك لا يعني تحقيقه. فبحسب إبراهيم المدحون، المحلّل الفلسطيني المقرّب من «حماس»، الحركة «مستعدة لتقديم بعض التنازلات لتمكين إعادة تأهيل غزة، لكنّها لن تتلاشى. تركيزها الآن على الهدوء. إنّها تريد أن تكون جزءاً من الحل، ولن تكون عقبة أمام الاستقرار».
أمّا بالتّي، المسؤول الإسرائيلي السابق في الاستخبارات والدفاع، فتساءل: «مَن الذي سيفعل ذلك؟ إذا كان أحدهم يظنّ أنّ عصا سحرية ستُحقّق هذه الثورة خلال ساعات أو أيام، فلينسَ الأمر. هذا لن يحدث. ليس لأنّني متشائم، بل لأنّني واقعي».
إنّ نشر قوّة دولية لتحقيق الاستقرار، كما تقترح الخطة، قد يدفع الجيش الإسرائيلي إلى مزيد من الانسحاب. لكن لا يزال من غير المعروف إلى حدٍّ كبير ما هي الدول التي ستشارك في تلك القوّة، وكيف ستُموَّل وتُدرَّب، ومتى ستُنشَر.
ويبدو أنّ السلطة الفلسطينية، التي كانت تحكم غزة سابقاً ولا يزال لديها موظفون على الأرض، مستبعَدة إلى حدٍّ كبير من مبادرة ترامب، ما لم تُنفِّذ إصلاحات لم تُحدَّد تفاصيلها بعد.
ومع ذلك، لا يعني هذا أنّ المرحلة الثانية محكوم عليها بالفشل منذ البداية. فبيسموث، النائب عن حزب نتنياهو، استمدّ تشجيعاً كبيراً من مشاركة الدول العربية في محادثات السلام، وأكثر من ذلك من عملية الإفراج عن باقي الرهائن.