أخصائية تغذية
صحّتك ليست رقماً على الميزان: فلماذا حان الوقت لدفن مؤشر كتلة الجسم (BMI)؟ لطالما ساد اعتقاد في العيادات وصالات الرياضة أنّ مؤشر كتلة الجسم (BMI) هو الحُكم الفاصل على صحّتك. لكن هذا المقياس، الذي يختزل جسمك المعقّد في معادلة بسيطة، هو في الواقع أداة تشخيصية قديمة ومضلّلة.
دراسة حديثة نشرتها جامعة واترلو، تدقّ ناقوس الخطر: الاعتماد على BMI لا يعكس الحقيقة البيولوجية، بل يزيد من وصمة العار ويُشتِّت انتباهنا عن صحة التمثيل الغذائي الحقيقية.
وهم الـ BMI: عضلاتك تُتَّهم بالبدانة!
تكمن المشكلة الجوهرية لـ BMI في أنّه لا يستطيع التفريق بين مكوّنات الوزن.
فكّر في الأمر كالتالي: هناك رياضي يتناول نظاماً غذائياً عالي البروتين، قد يكون لديه BMI مرتفع جداً (أكثر من 30) بسبب كثافة عضلاته. هنا، يصفه المؤشر بأنّه «بدين»، بينما هو يتمتع بحساسية أنسولين ممتازة.
على النقيض، هناك شخص نحيف ظاهرياً، لكنّه يتناول سكّريات ودهوناً مهدرجة. قد يكون BMI الخاص به «طبيعياً»، لكنّه يُخزّن كمّيات كبيرة من الدهون الحشوية (Visceral Fat) الخطيرة حول الكبد. هنا، يوحي المؤشر بأنّ صحّته جيدة بينما هو يواجه مخاطر عالية للإصابة بمقاومة الأنسولين والسكّري.
هذا يكشف أنّ الـ BMI هو قناع، يُخفي التهديد الحقيقي (الدهون الحشوية) ويُدين البناء الصحّي (العضلات).
الرابط المفقود: التغذية ودهون الخطر
بصفتنا خبراء تغذية، نعلم أنّ التحدّي الحقيقي ليس في الوزن الكلي، بل في توزيع الدهون وكيفية تفاعل الجسم مع الغذاء (التمثيل الغذائي). هذا هو جوهر المشكلة التي يتجاهلها BMI: الدهون الحشوية هي العدو.
هذه الدهون المخزّنة حول الأعضاء تُطلِق جزيئات إلتهابية تهاجم الخلايا وتُسبِّب مقاومة الأنسولين. لا يمكن لـ BMI قياس هذا الخطر.
الأهم من ذلك، العضلات هي مصنع حرق السكّر الرئيسي في الجسم. كلما زادت كتلتك العضلية، أصبحت خلاياك أكثر حساسية للأنسولين وأقل عرضةً لتخزين السكّر كدهون. هذا البُعد الأيضي الحيَوي لا يظهر أبداً في حساب BMI.
بدائل أكثر دقّة: قياس الخصر يكشف الحقيقة
لتقييم صحة الجسم بدقة أكبر، من الأفضل تجاوز الاكتفاء بمؤشر كتلة الجسم (BMI) والتركيز بدلاً من ذلك على قياس محيط الخصر. يُعدّ محيط الخصر مؤشراً بالغ الأهمية لوجود الدهون الحشوية، وهي النوع الأخطر من الدهون المتراكمة حول الأعضاء الداخلية. وأبسط طريقة لتقييم ذلك هي نسبة محيط الخصر إلى الطول (WHtR)، إذ يجب أن يكون محيط خصرك أقل من نصف طولك.
هذا المقياس البسيط يُقدِّم معلومة صحية أكثر قيمة بكثير من مؤشر كتلة الجسم. للحصول على تحليل أكثر تعمّقاً لمكوّنات الجسم، تتوفّر قياسات متخصّصة في العيادات كأجهزة BIA أو DEXA، التي تكشف النسبة الفعلية للدهون مقابل العضلات.
توصيات غذائية: التركيز على القوّة لا الرقم
الرسالة واضحة: إذا كنت ترغب في تحسين صحّتك، انسَ مؤشر BMI وركّز على جودة جسمك وصحة تمثيلك الغذائي.
أولاً، عليك بناء العضلات؛ ارفع الأوزان وتناول ما يكفي من البروتين عالي الجودة (مثل البقوليات والبيض) لدعم كتلتك العضلية النشطة.
ثانياً، عليك محاربة الدهون الحشوية بالتغذية؛ اعتمد حمية البحر الأبيض المتوسط الغنية بالألياف (خضروات وفواكه كاملة) والدهون الصحّية (زيت الزيتون البكر الممتاز والمكسرات)، للسيطرة على الأنسولين وتقليل الالتهاب المرتبط بدهون الخصر.
ثالثاً، تتبَّع العلامات الحيَوية الأهم، مثل ضغط الدم، ومستويات السكّر والكوليسترول، فهي المؤشرات التي تعكس فعلياً استجابة جسمك لنمط حياتك وتغذيتك.
هل ما زلت تعتقد أنّ رقم BMI يُحدِّد صحتك؟ لنبدأ من اليوم في تقييم صحّتنا بمقاييس أكثر ذكاءً وتركيزاً على جوهر التمثيل الغذائي.