أخصائية تغذية
في السنوات الأخيرة، برز مجال التغذية العصبية كمِحوَر بحثي جديد، يربط بين ما نتناوله يومياً وبين صحة الدماغ ووظائفه الإدراكية.
في هذا الإطار، نشرت مجلة Nutritional Neuroscience دراسة حديثة تشير إلى أنّ عصير الكشمش الأسود (العليق الأسود الصغير) الغني بمركّبات البوليفينول قد يَزيد من تدفّق الدم في المناطق الأمامية من الدماغ، المسؤولة عن التركيز واتخاذ القرار.
لكنّ المثير للاهتمام، أنّ هذا التحسّن في التروية الدموية لم ينعكس على الأداء الذهني أو سرعة الاستجابة المعرفية. فهل يعني ذلك أنّ العصير «يُنشّط الدماغ» من دون أن «يُحسّن التفكير»؟
تفاصيل الدراسة
أُجريت الدراسة على مجموعة من الشباب الأصحاء الذين تناولوا إمّا عصير الكشمش الأسود (العليق الأسود الصغير) الغني بالبوليفينولات، أو مشروباً وهمياً خالياً من المركّبات الفعّالة.
بعد نحو ساعة من الشرب، قيسَ تدفّق الدم في القشرة الجبهية الأمامية، وهي المنطقة المسؤولة عن الانتباه واتخاذ القرار باستخدام تقنية التصوير بالأشعة تحت الحمراء القريبة (NIRS)، أثناء الراحة وأثناء أداء مهام ذهنية.
النتائج أظهرت:
زيادة ملحوظة في الأوكسجين الدموي في الفص الجبهي بعد تناول العصير، لكن من دون فرق في الأداء العقلي أو سرعة المعالجة الذهنية مقارنةً بالمجموعة الضابطة.
التحليل العلمي
يُعتقد أنّ مركّبات الأنثوسيانين الموجودة في العليق الأسود تُنشّط إفراز أكسيد النيتريك (NO) في الأوعية الدموية، ممّا يؤدّي إلى توسّعها وتحسين التروية الدماغية. كما تُظهر هذه المركّبات خصائص مضادة للأكسدة والالتهاب، ما يساهم في حماية بطانة الأوعية وتحسين التواصل العصبي الوعائي (neurovascular coupling).
غير أنّ غياب التحسّن الإدراكي قد يُفسّر بكَون المشاركين أصحاء وصغار السنّ، أي أنّهم لا يُعانون من ضعف في الأداء المعرفي أصلاً، ممّا يجعل تأثير العصير محدوداً.
لهذا، يُرجّح أن تظهر النتائج الإدراكية الإيجابية في دراسات تُجرى على كبار السن أو الأشخاص ذوي التروية الدماغية الضعيفة.
من الناحية الإكلينيكية، يمكن اعتبار عصير الكشمش الأسود (العليق الأسود الصغير) عامل دعم مساعد لصحة الدماغ والأوعية الدقيقة، وليس وسيلة لتحسين القدرات الذهنية المباشرة:
1 - إدراج مصادر البوليفينول: مثل العليق الأسود الصغير، التوت الأزرق، والعنب الأحمر، ضمن نظام غذائي متوازن، قد يدعم صحة الدماغ على المدى الطويل.
2 - لا يمكن الاعتماد على عصير واحد كحلٍّ منفرد؛ بل يجب دمجه في نمط غذائي غني بالمغذيات الدقيقة والخضار والألياف.
3 - هناك حاجة إلى دراسات أطول وأوسع لتحديد ما إذا كان هذا التحسّن في التروية يمكن أن يتحوّل إلى تحسّن إدراكي فعلي.
إنّها دعوة علمية للنظر إلى التغذية كأداة وقائية داعمة لصحة الدماغ، لا كبديلٍ عن نمط حياة متوازن. فالعقل، كأي عضلة في الجسم، يحتاج إلى غذاء متنوّع، ونومٍ كافٍ، ونشاطٍ بدني منتظم ليبقى في كامل لياقته الذهنية.