لماذا يُصاب المزيد من الشباب بالسرطان؟
لماذا يُصاب المزيد من الشباب بالسرطان؟
Friday, 10-Oct-2025 06:27

خلال العقد الأخير، ارتفعت نسب أكثر من 14 نوعاً من السرطان بين مَن هم دون سنّ الـ50. ولا يزال العلماء عاجزين عن تفسيرٍ حاسم، لكنّ الأبحاث بدأت تكشف خيوطاً مقلِقة.

قبل 10 سنوات، لاحظت الطبيبة كيمرين راثميل، المتخصّصة في أورام الكلى، تزايداً غير معتاد في حالات الشباب المصابين بالمرض، من بينهم شاب يبلغ 18 عاماً يعاني من سرطان كلى منتشر.
ظنّت حينها أنّ الأمر محصور بالمراكز الكبرى التي تُحال إليها الحالات المعقّدة. لكنّ تقريراً صادراً عن المعهد الوطني للسرطان الأميركي عام 2024، أكّد ارتفاع معدّلات 14 نوعاً من السرطان بين مَن هم دون الـ50 بين عامَي 2010 و2019، لتُدرك راثميل أنّ ما شاهدته كان جزءاً من ظاهرة أوسع.
تُظهر البيانات أنّ السرطانات المبكرة (الثدي، القولون، الكلى، البنكرياس، المعدة، الرحم، والخصية) ما زالت نادرة، لكنّها تتزايد عالمياً منذ التسعينات. ففي الولايات المتحدة وحدها، سُجّل عام 2019 نحو 4800 حالة إضافية من سرطان الثدي المبكر، مقارنةً بما كان متوقعاً لَو بقِيَت معدّلات 2010 ثابتة.
جزءٌ من هذه الزيادة يُعزى إلى تحسّن الفحوص والكشف المبكر، لكنّ الباحثين يؤكّدون أنّ ثمة عوامل أعمق قيد العمل.

أنماط الحياة والبيئة المتبدلة
يعود كثيرٌ من العلماء إلى الخمسينات كنقطة تحوّل. فالأشخاص المولودون في تلك الحقبة أظهروا منذ التسعينات معدّلات أعلى من السرطانات المبكرة، وتضاعف الخطر تقريباً بين مَن وُلدوا عام 1990 مقارنةً بمَن وُلدوا عام 1955.
يرى الباحث شوغي أوغينو، من مستشفى بريغهام في بوسطن، أنّ التحوّلات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية غيّرت نمط الحياة جذرياً: قلة النشاط البدني، الاعتماد على الأغذية المعالجة والسكّريات، التعرّض المتزايد للبلاستيك والمواد الكيميائية الدائمة، وحتى تراجع ساعات النوم.
الدكتورة يين كاو، من جامعة واشنطن، قادت دراسات عالمية حول سرطان القولون المبكر، وتؤكّد أنّ ربط هذه العوامل بالسرطان عملية معقّدة، لكنّها تشير إلى أنّ السمنة، الكحول، والنظام الغذائي الفقير، تُعدّ من أقوى العوامل المؤكّدة حتى الآن.
فالسمنة قد ترفع الخطر عبر اضطرابات التمثيل الغذائي والمقاومة للأنسولين والالتهابات المزمنة. أمّا الكحول، فيُلحق الضرر بالحمض النووي ويرفع مستويات الإستروجين، ما يفاقم خطر بعض سرطانات الثدي. ويُعتقد أنّ النظام الغذائي الغربي الغني باللحوم الحمراء والأطعمة المعالجة، والفقير بالخضار والفواكه، يُسهم أيضاً في هذه الزيادة.

التحوّلات الإنجابية وتأثيرها على الثدي
النساءُ أكثر عرضةً للإصابة بالسرطانات المبكرة، خصوصاً في الثدي. فاليوم تبدأ الفتيات في الولايات المتحدة الحَيض في عمر 11 أو 12 عاماً، أي أبكر من جيل الخمسينات، بينما تأخّر متوسط سنّ الحمل الأول إلى نحو 27 عاماً بعدما كان في أوائل العشرينات.
توضّح الطبيبة شيرين لوي، من مركز بيتر ماكالوم في ملبورن، أنّ كل دورة شهرية ترافقها تغيّرات في الهرمونات ونمو في خلايا الثدي، ما يزيد فرص ظهور الطفرات. وخلال الفترة بين البلوغ والحمل الأول، تكون الخلايا أكثر هشاشة أمام المؤثرات الضارة مثل الإشعاع أو اضطرابات الأيض.
أمّا الحمل والرضاعة، فيمنحان نوعاً من الحماية المناعية الطبيعية للثدي، إذ تُستبدل الخلايا التالفة وتُصلح الجينات بشكل أفضل. لكن مع تأخّر الحمل وتراجع عدد الولادات، تفقد النساء جزءاً من هذه الحماية، فيبقى خطر التحوّل السرطاني قائماً لفترة أطول.

الطفرات المبكرة والمسار السريع
تشير أبحاث حديثة إلى أنّ بعض العوامل البيئية قد تُحدث تغييرات في الجينوم منذ الطفولة أو حتى قبل الولادة، ممّا يُسرّع الطريق نحو السرطان. فبعض أنواع البكتيريا المنتجة لسمّ يُعرف بالكوليباكتين، تُحدِث طفرات في خلايا القولون، وتُظهر الدراسات أنّ هذا النمط من الطفرات أكثر شيوعاً لدى المصابين بالسرطان المبكر.
يؤكّد البروفسور لودميل ألكسندروف، من جامعة كاليفورنيا، أنّ هذه العدوى غالباً ما تُصيب الأطفال في السنوات الثلاث الأولى من العمر، عندما تكون مناعتهم غير مكتملة، ما قد يضعهم على «المسار السريع للسرطان». وتُظهر المقارنات أنّ الجينات المنتجة للسمّ موجودة في نحو 40% من عيّنات الأطفال في الدول الصناعية مقابل غيابها شبه التام في المناطق الريفية غير الصناعية. لكن يؤكّد العلماء، أنّ الطفرات وحدها لا تكفي لظهور الورم، بل تتفاعل مع البيئة ونمط الحياة على مدى عقود.

theme::common.loader_icon