أوروبا تحصّن الأجواء من التهديدات الروسية
أوروبا تحصّن الأجواء من التهديدات الروسية
د. خالد العزّي
Saturday, 04-Oct-2025 06:49

في الوقت الذي تُنكِر فيه روسيا وجود أي تهديد مباشر لأجواء أوروبا، تُصرّ الدول الأوروبية، المجتمعة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، على اتخاذ خطوات فاعلة لتحصين دفاعاتها الجوية، في ظل تصاعد المخاوف من استخدام الطائرات المسيّرة في النزاعات، خصوصاً بعد التجربة الأوكرانية.

هذا التحرّك تقوده مؤسسات الاتحاد الأوروبي من خلال مشروع جديد يحمل اسم "جدار الطائرات المسيّرة"، كجزء من استراتيجية أشمل للدفاع عن الجبهة الشرقية للقارة، وردع أي اختراق محتمل في المستقبل.

 

حجر الأساس في الاستراتيجية الدفاعية الأوروبية

 

المشروع، الذي يُناقَش رسمياً خلال قمة غير رسمية لقادة الاتحاد الأوروبي في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن بدأت في الأول من تشرين الأول، يُعدّ حجر الزاوية في سياسة الاتحاد للدفاع المشترك ضدّ التهديدات غير التقليدية، وعلى رأسها الطائرات المسيّرة الروسية.

 

ويعكس هذا المشروع حجم القلق الأوروبي من تكرار ظهور طائرات مسيّرة مجهولة تُحلّق فوق أراضي الاتحاد الأوروبي، ما دفع المفوّضية الأوروبية، بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى اقتراحه كـ"حائط صَدّ" إلكتروني وجوي يمنع هذه التهديدات قبل وقوعها.

 

أوكرانيا على خط الدفاع الأول

 

خلال مؤتمر صحافي مشترك، أكّدت رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إلى جانب الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته، أنّ أوكرانيا ستكون خط الدفاع الأول في هذا النظام، في إشارة إلى أهمية التجربة الأوكرانية في مواجهة الطائرات المسيّرة خلال الحرب المستمرّة مع روسيا.

 

وأضافت فون دير لاين، أنّ الاتحاد الأوروبي سيُخصِّص نحو مليارَي يورو من الأصول الروسية المجمّدة لتمويل المشروع، وبدء إنتاج طائرات مسيّرة أوروبية أكثر تطوّراً، تتناسب مع التهديدات الحديثة.

 

دعم أميركي وتحرّكات على الأرض

 

تتوقّع بروكسل مشاركةً أميركيةً فاعلة في المشروع، سواء عبر التمويل أو تزويد دول الاتحاد بأسلحة وأنظمة دفاع جوي. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الهولندية عن نشر أنظمة "باتريوت" الأميركية و"ناسامس" النروجية، إلى جانب أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة في بولندا.

 

من جهته، أكّد وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث خلال اجتماع عسكري: "يجب أن نستعد للحرب إذا كنّا نريد السلام. نحتاج إلى المزيد من الذكاء الاصطناعي، الطائرات المسيّرة، والغوّاصات... يجب أن نصبح أقوى وأسرع".

 

4 مشاريع دفاعية أوروبية كبرى

 

يتضمّن جدول أعمال القمة في كوبنهاغن 4 مشاريع دفاعية رئيسة:

 

1 - جدار الطائرات المسيّرة.

2 - مراقبة الجناح الشرقي.

3 - درع الدفاع الجوي.

4 - درع الدفاع الفضائي.

 

وبحسب خبراء غربيِّين، يُتوقع أن يبدأ تنفيذ هذه المشاريع خلال 12 شهراً من اعتمادها الرسمي، مع تقديرات تكلفة تتراوح بين 4 و7 مليارات يورو.

 

شبكة دفاعية متكاملة: رادارات، اعتراضات، وتقنيات متقدّمة

 

في اجتماع بتاريخ 26 أيلول، ناقش مفوّض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبيليوس تفاصيل المشروع مع وزراء دفاع من دول عدة، بينها أوكرانيا، فنلندا، دول البلطيق، بولندا، والمجر. وأكّد أنّ النظام سيعتمد على:

 

- رادارات متقدّمة.

- أجهزة استشعار صوتية وتقنية.

- وسائل اعتراض حديثة وتشمل: (الحرب الإلكترونية، طائرات مسيّرة اعتراضية، مدفعية مضادّة للطائرات، وحدات متنقلة، أنظمة ليزر قَيد التطوير).

 

وأشاد كوبيليوس بـ"الخبرة التقنية العالية" لأوكرانيا في التصدّي للطائرات المسيّرة، مشيراً إلى أنّها عنصر مِحوَري في هذا النظام الدفاعي.

 

بين درع أوروبي وسهم روسي

 

يُمثل مشروع "جدار الطائرات المسيّرة" تحوّلاً حاسماً في العقيدة الدفاعية الأوروبية، في محاولة للانتقال من الإعتماد على الحماية الأميركية إلى استراتيجية ردع ذاتية.

 

لكن، في الوقت الذي تسعى فيه بروكسل إلى بناء شبكة دفاعية متقدّمة، لا تقِف موسكو مكتوفة الأيدي أمام هذه الاتهامات. فالموقف الرسمي الروسي يعتبر أنّ اتهامات أوروبا "مجرّد ادّعاءات غير جدّية، وحالة نفسية جماعية تُستخدَم لتبرير التصعيد ونشر عسكرة جديدة على الحدود الروسية".

 

يرى محلّلون روس أنّ أوروبا تحاول استخدام "التهديدات الجوية" كذريعة لتطويق روسيا سياسياً وأمنياً، على رغم من غياب أدلّة فعلية، كما يُشكّكون في قدرة الاتحاد الأوروبي على تنفيذ مشروع بهذا الحجم في ظل الخلافات الداخلية.

 

من جهة أخرى، تُقرّ الأوساط الغربية بأنّ التناقضات داخل الاتحاد تُعقّد المهمّة؛ فهناك تفاوت كبير في القدرات، إذ تُعاني الدول الكبرى من إرهاق عسكري وتمويلي، بينما لا تستطيع الدول الأصغر تحمّل أعباء إضافية.

 

ومع فشل قمة "ألاسكا" التي كان يُؤمل أن تُعيد التنسيق الأوروبي-الأميركي، تتزايد المخاوف الغربية من تراجع الحماية الأميركية، ممّا يدفع القارة الأوروبية إلى اتخاذ خطوات فعلية لبناء دفاع مستقل.

 

إذاً، أوروبا اليوم أمام مفترق طرق: إمّا أن تتحوّل "جدرانها الجوية" إلى واقع ردعي يضمَن الأمن الجماعي، أو تبقى مشاريع عالقة في مهَبّ الانقسامات السياسية والتحدّيات الاقتصادية... بينما الزمن لا ينتظر أحداً.

theme::common.loader_icon