One Battle After Another: ملحمة كرنفالية عن الخير والشر
One Battle After Another: ملحمة كرنفالية عن الخير والشر
مانوهلا دارغيس- نيويورك تايمز
Tuesday, 30-Sep-2025 06:24

المخرج، في ذروة قوته، يُقدّم ملحمة أميركية مذهلة ومعاصرة، مع ليوناردو دي كابريو في دور ثائر سابق مهزوم وأب مُحِبّ.

فيلم بول توماس أندرسون «معركة تلو الأخرى» هو رفض صارخ للرضوخ، الاضطهاد، والطغيان على الشاشة الكبيرة. إنّها ملحمة كرنفالية عن الخير والشر، العنف والسلطة، الحقوق غير القابلة للتصرّف، والنضال ضدّ الظلم؛ وهي أيضاً قصة حُب.
يتحدّث الفيلم عن إخفاقات الماضي والحاضر، لكنّه يصرّ على وعد المستقبل. أخرجه أندرسون بمهارة فائقة، لكن ما يجعله مثيراً هو أنّه يتفاعل مع لحظته الراهنة كما نادراً ما تفعل الأفلام الروائية الأميركية، يشعر بمدى إلحاحه المدهش، ومضحك لدرجة القهقهة، حتى عندما ترتجف ضحكاته من شدّة الغضب.
يتتبّع الفيلم مغامرات الأبله المجيد بوب فيرغسون (يرتقي دي كابريو تماماً إلى مستوى الدور الساخر)، الجندي الثوري السابق الذي يتحوّل إلى إرهابي مطارَد، ثم إلى هارب تحت الأرض وأب أعزب مُحبّ. تدور القصة إلى حدّ كبير في الحاضر، لكنّها تنطلق قبل نحو 16 عاماً خلال فترة بوب المتفجّرة في جماعة «الفرنسي 75» الراديكالية التي تحمل اسم مدفع ميداني وكوكتيل يُقدَّم في ملهى همفري بوغارت في «كازابلانكا».
معتقدات المجموعة بسيطة إلى حدٍّ ما (المساواة، الحرّية)، ولو كانت ضبابية في التفاصيل، وأندرسون لا يوضّح أيديولوجيّتها الثورية. شأنه شأن شخصياته، يُفضّل عموماً وضع النظرية موضع التنفيذ.
محور القصة هو الحُبّ بين بوب وبيرفيديا بيفرلي هيلز (تيانا تايلور المتألقة)، العضو الكاريزمي في «الفرنسي 75». جريئة لا تساوم، تخترق بيرفيديا العالم كالسيف.
في وقت مبكر، يتبعها بوب بحماسة في هجوم المجموعة على مركز احتجاز للمهاجرين حيث، تحت جنح الظلام، ينزعون مع المتمرّدين الآخرين سلاح الحرّاس العسكريِّين وتحرير حشد من الرجال والنساء والأطفال. وهناك تلتقي بيرفيديا أيضاً لأول مرّة بخصمها، الكولونيل ستيفن لوكجو (شون بن)، الذي تسيطر عليه بسهولة بسلاح مصوَّب وأمر غير عادي: تأمره، وهو جالس، بأن يقف، فيُطيع، بانتصابٍ هزلي واضح في سرواله.
إنّها لحظة حاسمة ومشهد عبثي، يستغله أندرسون إلى أقصى حدود السخرية، عبر تصوير الانتصاب من الأسفل ليهيمن على اللقطة، مؤكّداً عجز لوكجو أمام بيرفيديا. لم يَعُد مسيطراً على المحتجزين أو حتى على جسده، وبالتأكيد ليس عليها. نزعَت بيرفيديا سلاحه فعلياً، ما أثار لديه رغبة مجنونة ومنحرفة نحوها. بإجباره على الطاعة، تحدّت نظاماً من السلطة يمتد جذوره إلى الاستغلال الجنسي العنيف للنساء السود المستعبَدات على يَد الرجال البيض، وهو النظام الذي يسعى أشرار الفيلم إلى تكريسه. سيقضي لوكجو بقية الفيلم محاولاً إعادة فرض سيادته.
استُلهم «معركة تلو الأخرى» من رواية توماس بنشون «فينلاند» (1990)، التي استعار منها أندرسون بحرّية ليخدم أغراضه الخاصة. تفتتح الرواية في عام 1984، عام فوز رونالد ريغان بولاية ثانية، وفي أعقاب «القمع النكسوني». الزمن مضى على الناجين بعد الستينات، ومع ذلك «تبدّل الأشخاص لكنّ القمع استمر، أوسع وأعمق وأقل ظهوراً»، كما يلاحظ أحد الشخصيات.
أندرسون لا يُسمّي أسماء في «معركة تلو الأخرى»، ولا أذكر أنّ أحداً ذكر سياسيِّين معاصرين. ومع ذلك، فإنّ الأحداث تدور تقريباً عام 2009، بداية ولاية باراك أوباما الأولى، حين استولى «الفرنسي 75» على مركز الاحتجاز في مشهد متفجّر ومنسَّق بإتقان، يضع نبرة الفيلم المتوهّجة وإيقاعه السريع. يشعر أعضاء المجموعة بالنشوة بعد المداهمة، وقد أثارتهم نجاحاتهم بقدر ما أثار لوكجو بيرفيديا. يصرخ بوب: «فيفا لا ريفولوسيون!» أثناء فرارهم، صرخة معركة تتردّد فيما يُقيم هو وبيرفيديا علاقة، يسطوان على بنوك، يُنجبان ابنة، ينفصلان، ويهربان. ثم ينهار كل شيء، وينتهي الأمر ببوب ضائعاً في ضباب القنّب.
نادراً ما يرفع أندرسون قدمه عن دواسة البنزين في الفيلم، على رغم من أنّه يُخفّف قليلاً عندما تنتقل القصة إلى الحاضر. بعدما عاش سنوات في السرّية، يعيش بوب الآن مع ابنته ويلا (الوجه الجديد تشايس إنفينيتي) في منزل بشمال كاليفورنيا، أرض الأخشاب العملاقة والمخدّرات والبارانويا. هناك يشرب الخمر ويُدخِّن الحشيش بكثرة. ذهب شغفه ورحلت بيرفيديا منذ زمن بعيد. لتمضية الوقت، يشاهد فيلم بونتيكورفو «معركة الجزائر» (1966) عن كفاح الجزائريِّين من أجل الاستقلال.
من السهل السخرية من بوب، لكن هناك بئراً من الأسى في إخفاقاته الشخصية والجيلية. غير أنّ أندرسون لا يسعى إلى استدرار شفقة المشاهد، بل شخصية بوب وأداء دي كابريو الجسدي المبالغ فيه يمنعانك من التهاون معه. تراقب الشخصية من دون أن تدخل رأسه، جزئياً لأنّه هو نفسه لم يفعل قط. إنّه رجل لا وعي له تماماً، لا يتحرّك ضدّ الاضطهاد إلّا عندما يمسّه شخصياً، وهو ما يحدث عند عودة لوكجو، بوجه عابس وقامة متصلّبة.
ما يُخلّص بوب هو الحُب: حُبّه لويلا وحبها له. ذلك الحُبّ يُضيء بقية الفيلم كمنارة. ربط بين الأب وابنته، خالقاً مؤامرة ثنائية. ساعد في تشكيل شخصية ويلا، وربما منع بوب من التلاشي بالكامل. الحُبّ هو ما يُخرجه من ملجئه وخموله عندما يعود لوكجو، مدعوماً الآن بجماعة غامضة من المتفوّقين البيض المسيحيِّين تُسمّى «نادي مغامري عيد الميلاد»، بعنف إلى المشهد، مهدّداً ويلا. يأخذ الفيلم منعطفاً آخر، إذ يفر كل من بوب وويلا من لوكجو، فتتشظى القصة إلى أقسام منفصلة تتقاطع في النهاية. ثم تصبح الأمور أكثر تعقيداً ورعباً.
«معركة تلو الأخرى»، يُقدِّم عالماً متخيّلاً آخر، لكنّه، على رغم من الأسماء الغريبة والخيالات الجامحة، يبدو أشبه بالحياة من كثير ممّا سواها. لا يتماسك كل شيء بسلاسة في الفيلم، ممّا يزيد واقعيّته؛ وبعد مشاهدته مرّتَين، ما زلت أفرز أفكاره وصوره، وما زلت أفكّر في السلطة والعرق والجنس، وفي ما إذا كانت بيرفيديا قد نالت حقها فعلاً، فيما أواصل تذوّق النشوة التي ينتجها الفيلم.

theme::common.loader_icon