... وماذا عن إزالةِ غزّة من الوجود
... وماذا عن إزالةِ غزّة من الوجود
جوزف الهاشم
Friday, 26-Sep-2025 06:20

أيُّ عينٍ من زجاج يمكنُ أنْ ترى مجازرَ الإبادة ومآتم الأشلاء في غزّة ولا تتفجّع بالدمع؟

أيُّ قلبٍ من القلوب القيصرية المتحجّرة لا يخفقُ توجّعاً حيال مشاهد ترتعش لها جُثَثُ الموتى؟

أطفال غزّة ونساؤها يتقاتلون بالطناجر للإستحصال على حفنةٍ من غذاء...

 

جحافلُ شبه بشرية منهكةٌ تطاردها المسيّرات من مكانٍ إلى مكان، على وقْعِ أهوال الرعب والجوع والتشرّد والنزوح...

هناك مَن ينزح نحو المجهول، وهناك مَن يلجأ إلى قوارع الطُرق وعلى منكبيهِ نعشٌ ورفش، هناك مَن ينصبُ الخيام فوق المزابل، ويتقصّى فُتاتَ القوتِ من القُمامة.

كيف تستطيعون أن تُمزّقوا اللقمةَ بشراهةٍ من الرغيف وتأكلوها هنيئاً من دون أن تمزّق أحشاءَكم؟

 

كيف تنامون ملْءَ الجفون على فراشٍ من الحرير، وملايين الآدميِّين تنام على فراش من الحشرات؟

المبادئ والعقائد والمقاومات والبطولات والوطنيات والمؤتمرات تسقط ذليلةً هزيلة أمام معاناة شعب يعيش وفق روزنامة يومية تحصي الأموات بالمئات، والموت أهون عليه من الذلّ...

 

أينَ همُ الذين حمّسوا حركة «حماس»، وأين هي الساحات والمسيّرات والخنادق والبنادق والبيارق... وكأنّما «قتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظر».

العالم العربي والإسلامي يحمل أيقونةَ القضية العربية الأولى، والمؤتمرات حيال مأساة فلسطين تكاد تكون «لدعم العار مخافةَ أنْ يُمحى...».

 

والعالم المتحضّر الذي يقف متفرِّجاً أمام مجازر نتنياهو، يصبح هو أيضاً نتنياهو.

رُبّ قائل: إنّ مَنْ يعترض على أعمال المقاومة ولا يتصدّى لمجازر إسرائيل فهو متهم بالخيانة...

 

ومن أجل حسْمِ النزاع حول ذريعة الإتهام نقول: إنّ الهمجية الإسرائيلية لم تترك مجالاً لتبرير التواطؤ، وإنَّ المنتجين السينمائيّين قد يعتمدون صورةَ نتنياهو كأبرز بطلٍ من أبطال أفلام مصّاصي الدماء.

 

ولكن، هل إنّ المعركة مع إسرائيل هي معركة منبرية نقف بها على أطلال غـزّة ونُنشد أناشيد البطولة؟

هل هي معركة بيانات وهجاء شعري وخُطَبٍ نستثير بها الغرائز بهدف التسلّل إلى منطقة اللاّوعي العقلي، فيما الواقع الميداني يتخبّط في بحور الدم؟

 

وما هي قيمة الدفاع عن غزة من أنفاق تحت الأرض ما دام الذين فوق الأنفاق قد أصبحوا تحت الأرض، وما دامت غزة أصبحت في حالة اللّاوجود.

 

ليس من حقّ الغياري على القضية الفلسطينية إلاّ أن يذكروا: أنَّ أول مَنْ نبّه إلى الخطر الإسرائيلي التاريخي هم: ميشال شيحا، كمال يوسف الحاج، موريس الجميّل، شارل مالك، وريمون إده وغيرهم...

 

وأولُ مَنْ حذّر من خطر التحرُّش بإسرائيل من حدود لبنان هي القيادات المتَّهمة بالتواطؤ مع إسرائيل.

 

وأول مَنْ عرّض قضية فلسطين للتزعزع هي المنظمات الفلسطينية التي ضلّّت طريق فلسطين فانحرفت بها ثورة مسلّحة في لبنان والأردن، وجعلتها متعدّدةَ الجنسيات بين فصائل تتوزّع بين الدول والعقائد والمحاور، فأصبح بين الفصائل والفصائل فواصل، وبين منظمة التحرير وحركة «حماس» نزاعٌ حول فصيلةِ الدم.

 

لعلّ قطاع غزة بعدما وَلَجْتهُ الأقدام الإسرائيلية المتوحّشة أصبح شبيهاً بما جاء في التوراة عن «سدوم وعمورة» التي خسَفَها الله بسبب ما كان يقترفه أهلها من مفاسد.

 

ولكن، لا يزال هناك أملٌ ليتخّذوا من المأساة إيماناً بوحدة الصف، والتقاطِ المبادرة الدوليّة لحلِّ الدولتَين بمسعى سعودي فرنسي، حتى لا نقول مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش:

إنّا نفكّرُ في الدنيا على عجلٍ فلا نرى أحداً يبكي على أحدِ.

theme::common.loader_icon