هجمات إسرائيل تثير قلق الدول العربية المطبِّعة
هجمات إسرائيل تثير قلق الدول العربية المطبِّعة
إريكا سولومون- نيويورك تايمز
Tuesday, 23-Sep-2025 07:41

ترى الدول الشرق أوسطية الأقرب إلى إسرائيل، أنّ الهجوم على مسؤولي «حماس» في قطر واجتياح مدينة غزة، إشارات تحذيرية إلى تهديدات محتملة لأمنها هي أيضاً.

على مدى ما يقرب من عامين، تمكنت الدول العربية التي تحتفظ بعلاقات متوترة مع إسرائيل من التعامل مع الحرب في غزة كأزمة سياسية، محافظةً على قنوات التواصل على رغم من إحباطاتها المتصاعدة.

 

لكنّ الهجمات الإسرائيلية على قطر ومدينة غزة، في غضون أسبوع واحد، دفعت بعض تلك الدول إلى التساؤل عمّا إذا كان أمنها هي الأخرى قد أصبح في دائرة الخطر.

 

في أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، واجهت إسرائيل إدانات حادة على ضربة التاسع من أيلول التي استهدفت قادة «حماس» في قطر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، التي تلعب دوراً رئيساً في محاولة التوسّط للتوصّل إلى اتفاق سلام يُنهي حرب غزة.

 

وأوضح هـ. أ. هيلير، الخبير في شؤون الأمن بالشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن ومركز التقدّم الأميركي في واشنطن: «بالنسبة إلى مصر والأردن وتركيا، سيكون من الحماقة ألّا يقلقوا من احتمال وقوع هجمات على أراضيهم».

 

وأعقب الهجوم في قطر، غزو بري الأسبوع الماضي على مدينة غزة المكتظة بالسكان، ما دفع مئات الآلاف من الفلسطينيِّين للفرار إلى جنوب غزة.

 

أوضحت إسرائيل أنّها هاجمت قطر في إطار سياستها القائمة على عدم السماح بأي ملاذ آمن لـ»حماس»، بعدما شنّ مقاتلو الحركة هجوم 7 تشرين الأول 2023. وأوضحت أنّها شنّت الهجوم على مدينة غزة لاجتثاث «حماس» من أحد آخر معاقلها.

 

بعض أشدّ الردود غضباً جاءت من مصر، أول دولة عربية وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وهي تلعب دور الوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.

 

وأثار الهجوم على الدوحة تساؤلات حول ما إذا كانت مصر عرضةً لضربات إسرائيلية، وما إذا كانت هناك أي دولة في المنطقة بالفعل خارج نطاق الاستهداف، وفق المحلّلين.

 

في قمة إقليمية طارئة في الدوحة الأسبوع الماضي، وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل بأنّها «عدو». واعتبر ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، أنّها المرّة الأولى التي يتذكّر فيها أنّ رئيساً مصرياً استخدم هذه الكلمة منذ بدء عملية السلام مع إسرائيل في أواخر السبعينات، مضيفاً أنّ هذا الوصف كان مقصوداً. وأقرّ رشوان في برنامج «ستوديو إكسترا» على التلفزيون المصري: «أمننا القومي مهدّد، ولا يمكن أن يُهدِّد الأمن القومي سوى عدو».

 

الأسبوع الماضي، ومع تقدّم القوات الإسرائيلية في مدينة غزة، فيما لا يزال مئات الفلسطينيِّين يحتمون هناك، حذّرت وزارة الخارجية المصرية من «مخاطر كارثية»، واصفةً العملية بأنّها «مرحلة جديدة من الفوضى نتيجة الطيش الإسرائيلي والغطرسة المفرطة». مثل غالبية العالم العربي، كان المصريّون بالفعل يغلون غضباً من الحرب التي قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيِّين. وتشترك مصر في حدود مع جنوب غزة، عبر شبه جزيرة سيناء. ويخشى المسؤولون المصريّون أن يؤدّي التصعيد الأخير في الحرب إلى خلق ضغط على حدودهم من فلسطينيِّين يائسين يحاولون الهرب.

 

لطالما خشيَ المسؤولون المصريّون من حدوث نزوح جماعي بهذا الشكل، لعدة أسباب. فهم لا يُريدون أن يُتهموا بالمساعدة في تهجير الفلسطينيِّين لحساب إسرائيل.

 

كما أنّ المخاوف الأمنية الداخلية لا تقلّ أهمية. فإذا تمكّن مقاتلو «حماس» من عبور الحدود مع اللاجئين، فقد يستفز ذلك هجوماً إسرائيلياً على الأراضي المصرية.

 

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أنّ إسرائيل أثارت مع واشنطن مخاوف بشأن حشد مصر لقوات عسكرية في شبه جزيرة سيناء. ولم تؤكّد الحكومة المصرية أو تنفِ مثل هذا الحشد.

 

لكنّ يحيى الكدواني، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري، أوضح أنّ مثل هذه الإجراءات، إن اتُخِذت، ستكون بمثابة تحذير: «تهجير الفلسطينيِّين خط أحمر. ستتخذ مصر موقفاً إذا حدث ذلك».

 

بدوره، يُراقب الأردن، المجاور وصاحب معاهدة سلام قديمة مع إسرائيل، بقلق التحرّكات الإسرائيلية، إذ يتشارك حدوداً مع الضفة الغربية المحتلة، حيث يعيش نحو 3 ملايين فلسطيني.

 

ومع اعتراف المزيد من الدول بدولة فلسطينية رداً على حرب غزة، صعّدت إسرائيل تهديداتها بضمّ مساحات واسعة من الضفة الغربية. ويخشى الأردن أن تحاول إسرائيل بعدها دفع الفلسطينيِّين عبر حدوده مع الضفة الغربية، وفقاً لخبير هيلير.

 

أمّا دول الخليج، فتُعيد تقييم خياراتها في ضوء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. إذ رأت لعقود أنّ خصمها الرئيسي في الشرق الأوسط هو إيران، وكانت قد وجدت في السنوات الأخيرة أرضية مشتركة مع إسرائيل. ففي عام 2020، كانت الإمارات والبحرين من بين عدة دول عربية طبّعت علاقاتها مع إسرائيل.

 

لكنّ المزاج يتغيّر بسرعة، بحسب هيلير: «الآن يرَون إسرائيل كتهديد أكبر لأمن الخليج والمنطقة». ولم تُقِم قطر يوماً علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لكنّها احتفظت بعلاقات ودّية شملت زيارات لمسؤولين إسرائيليِّين خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. غير أنّ هذه العلاقات انهارت مع الهجوم على الدوحة.

 

فيما أعلنت السعودية عن «اتفاق دفاع استراتيجي» جديد مع باكستان، المسلّحة نووياً، معلنةً أنّ الهجوم على أي من البلدَين هو هجوم على كلَيهما.

 

ويرى محلّلون أنّ الاتفاق يعكس، جزئياً، شعوراً متزايداً بالإحباط من الولايات المتحدة لعدم قيامها بالمزيد لحماية الخليج.

 

وأوضح أندرياس كريغ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في كلية كينغز كوليدج لندن، في مقال، أنّ المنطقة بأسرها باتت مهدّدة الآن بالانزلاق إلى نوع من الصراع الأوسع لم يُشهد منذ حقبة الحروب العربية-الإسرائيلية بين عامَي 1948 و1973.

 

وأضاف أنّ إسرائيل، عبر تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية خلال العقود الماضية، ضيّقت نطاق الصراع ليصبح نزاعاً إسرائيلياً-فلسطينياً. لكن مع كل تصعيد إسرائيلي الآن، يتزايد خطر انجرار الدول العربية إلى صراع أوسع: «الجماهير العربية، التي هي أصلاً مشتعلة غضباً من غزة، باتت ترى إسرائيل تهديداً ملموساً للعرب مجتمعين».

theme::common.loader_icon